قال أبو علي : بشراكم اليوم جنات أي : حلول جنات أو : دخول جنات لأن البشرى حدث والجنة عين ولا تكون هي هي وإذا كان كذلك لم تخل خالدين من أن تكون حالاً من بشراكم أو من المصدر المحذوف في اللفظ المراد في المعنى فلا يجوز أن يكون من بشراكم على معنى : تبشرون خالدين لئلا يفصل بين الصلة والموصول فإذا كان كذلك قدرت الحال من الدخول المحذوف من اللفظ المثبت في التقدير ليكون المعنى عليه كأنه : دخول جنات خالدين أي : مقدر بين الخلود مستقبلاً كقوله : فادخلوها خالدين.
فإن قلت : فهل يجوز أن يكون الحال مما دل عليه البشرى كما كان الظرف متعلقاً بما دل عليه المصدر في قوله تعالى : إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون كأنهم يبشرون خالدين فالقول : إن ذلك لا يمتنع فيما ذكرت من الظرف إذ كان الظرف أسهل من الحال ألا ترى أن الحال هو المفعول به في المعنى فلا يحسن أن يعمل فيه مالا يعمل في المفعول به ومن ثم اختلفا في امتناع تقديم الحال إذا كان العامل فيها بمعنى ولم يمتنع ذلك في الظرف وقد جعلنا الظرف متعلقاً بالبشرى وإن لم تقدره كذلك ولكن إن جعلت الظرف خبراً جاز ذلك ويكون جنات بدلاً من البشرى على أن حذف المصدر المضاف مقدر ويكون خالدين على الوجهين اللذين تقدم ذكرهما.
ومثله في التغابن : ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
خالدين حال من الهاء العائدة إلى من وحمل على المعنى فجمع.
ومثله في الطلاق : خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقاً.
وفي التوبة موضعان : أعد الله لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وبعده : ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.
وفي آل عمران : للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها نزلاً.
وفي النساء : والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها.