وقريب من هذا قول الكميت : كأنه لم يعط عطاء يكون له موضع أو يكون له اعتداد.
وقريب من هذا قوله تعالى :" فان له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى " والذي لا يموت يحيا والذي لا يحيا يموت ولكن المعنى : لا يحيى حياة طيبة يعتد بها ولا يموت موتا مريحا مما دفعوا إليه من مقاساة العذاب وكأن الإحياء للعذاب ليس بحياة معتدٍّ بها.
قال عثمان : وأما حذف الحال فلا يحسن وذلك أن الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها وما طريقه طريق التوكيد غير لائقٍ به الحذف لأنه ضد الغرض ونقيضه ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن تأكيد الهاء المحذوف من الصلة نحو : الذي ضربت نفسه زيد على أن يكون نفسه توكيدا للهاء المحذوفة من ضربت وهذا مما يترك مثله كما يترك إدغام الملحق إشفاقا من انتقاض الغرض بإدغامه.
فأما ما أجزناه من حذف الحال في قوله تعالى :" فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي : فمن شهده صحيحا بالغا فطريقه : أنه لما دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفا.
وإما إذا عريت الحال من هذه القرينة وتجرد الأمر دونها لما جاء حذف الحال على وجه.
وحكى سيبويه : سير عليه ليل وهم يريدون : ليل طويل وكأن هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها وذلك أنك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقامه قوله : طويل ونحو ذلك وأنت تحس هذا من نفسك إذا تأملته وذلك أن يكون في مدح فتقول : كان والله رجلاً فتزيد في قوة اللفظ بالله هذه الكلمة وتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت عليها أي : رجلا فاضلا شجاعا أو كريما أو نحو ذلك وكذلك تقول : سألناه فوجدناه إنسانا وتمكن الصوت بإنسان وتفخمه فتستغنى بذلك عن وصفه وتريد : إنسانا سمحا أو جوادا أو نحو ذلك وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت : سألناه وكان إنسانا.
وتزوى وجهك وتقطبه فيغنى عن ذلك قولك : إنسانا لئيما أو بخيلا أو نحو ذلك.


الصفحة التالية
Icon