وعلى هذا قال :" أو هم قائلون " فيعاد مرة الذكر على لفظ القرية ومرة على معناها فيكون دخول الفاء في قوله :" فجاءها بأسنا " على حد : كل رجل جاءني فله درهم فيكون المعنى : كم من قرية جاءها الهلاك فقاربت البأس فكان سبب الإهلاك مجئ البأس لأن الإهلاك إنما يكون عما يستحق له الإهلاك فكأنها استحقت الإهلاك فجاءها البأس فصار نزول البأس استحقاق ذلك.
فإذا سلكت فيه هذا المسلك لم يجز في موضع كم النصب لأن من قال : زيدا ضربته لا يقول : أزيداً أنت رجل تضربه إذا جعلت تضربه صفة للرجل.
وكذلك أهلكناها إذا جعلتها صفة ولم تجعلها خبراً.
ويكون قوله فجاءها في موضع الخبر كما أن قوله فله درهم من قولك : كل رجل يأتيني فله درهم في موضع الخبر.
ويجوز أيضاً أن تكون الفاء عاطفة جملة على جملة على تقدير : جاءها البأس قبل الإهلاك لأن المعنى يدل على أن البأس مجئ الإهلاك فصار جاءها بأسنا كالتبيين للإهلاك لهم والتعريف لوقته.
قال أبو سعيد : دخول الفاء في هذا الموضع ونحوه يجري مجرى الفاء في جواب الشرط وجواب الشرط قد يكون متأخراً في الكلام ومتقدماً في المعنى كقول القائل : من يظهر منه الفعل المحكم فهو عالم به ومن يقتصد في نفقته فهو عاقل.
ومعلوم أن العلم بالفعل المحكم قبل ظهوره وعقل المقتصد قبل الاقتصاد ممتنع.
وإنما يقدر في ذلك : من يظهر منه الفعل فيحكم أنه عالم به.
وكذلك لو جعلناه جزاء فقلنا : زيد إن ظهر منه الفعل المحكم فهو عالم فهو محكوم له بالعلم بعد وكذلك قوله تعالى :" فجاءها بأسنا بياتاً " لما أهلكها الله حكم بأن البأس جاءها بياتاً أو بالنهار.
ونحو هذا في القرآن والكلام كثير.
قال الله تعالى :" فلم تقتلون أنبياء الله " والخطاب لليهود بعد قتل أسلافهم الأنبياء على معنى : لم ترضون بذلك وقال عز من قائل :" إذا زلزلت الأرض زلزالها " إلى قوله " فمن يعمل مثقال ذرة " الآية.