ومعلوم أنه لا يشترط في الآخرة شروط الثواب والعقاب.
وفي هذا جوابان.
أحدهما : أن معنى " فمن يعمل " أي : فمن يظهر ذلك اليوم في صحيفته خير أو شريرى مكافأته.
والآخر : أن المعنى : فمن يعمل في الدنيا.
ويكون كون الفاء بعد ذكر ما ذكر في الآخرة على معنى : أن ما يكونه الله في الآخرة من الشدائد التي ذكرها توجب أنه من عمل في الدنيا خيراً أو شراً يره كما يقول القائل : الآخرة دار المجازاة فمن يعمل خيراً يره.
ولم يرد خيراً مستأنفاً دون ما عمله العاملون.
وقد يكون ذلك أيضاً على مذهب الإرادة فيكون التقدير : وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا.
كما قال الله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " والقيام بعد غسل الوجه.
والمعنى : إذا أردتم القيام إلى الصلاة.
قال الفراء : ربما أتى ما بعد الفاء سابقاً إذا كان في الكلام دليل السبق.
فإذا عدم الدليل لم يجز.
وذكر قول الله تعالى :" وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا " فذكر عن قوم قالوا : البأس قبل الإهلاك كما تأولوا في " ثُمَّ " مثل هذا في قوله تعالى :" خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها " أي ثم خلقكم منها.
وقيل : معناها : خلقكم من نفس وحدها جعل الزوج منها بعد التوحيد فأفادت واحدة هذا المعنى.
قال : والأجود في قوله تعالى :" ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة " أن يريد : ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم كما قال :" هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً " معناه : خلق أصلكم الذي هو آدم من طين.
وقال الفراء في قوله تعالى :" فجاءها بأسنا " إذا كان الشيئان يقعان في حال واحدة نسقت بأيهما شئت على الآخر بالفاء كقولك : أعطيتني فأحسنت وأحسنت فأعطيتني لا فرق بين الكلامين لأن الإحسان والإعطاء وقتهما واحد.