أخالد ما راعيت من ذى قرابة فتحفظنِي بالغيب أو بعض ما تبدى
فالجار مع المجرور في موضع الحال، أي يحفظنى غائباً ويخشون ربهم غائبين من مراءاة الناس، لا يريدون بإيمانهم التصنع والتقرب رجاء المنالة، ولكن يخلصون إيمانهم لله قال ويجوز فيها وجه آخر وهو أن هذه الآية إجمال ما فصل، في قوله "والمؤمنون كلُّ آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله" والموصوفون فيها خلاف من وصف في قوله "ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلَّ ضلالاً بعيداً" وكفرهم بالملائكة ادعاؤهم بنات الله فيها، كما ادعوا في قوله "أم اتخذ ممَّا يخلق بنات" وقوله "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" وكفرهم بالكتاب إنكار له قوله "وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" وكفرهم بإرسال الرسل إنكارهم إرسالهم، نحو قوله "ولئن أطعتم بشراً مثلكم" وقوله "أهذا الذي بعث الله رسولاً" وكفرهم بالآخرة، قوله "لا تأتينا الساعة قل بلَى وربي" وكل هذه الأمور غيب قد أنكروه ودفعوه، فلم يؤمنوا به ولم يستدلوا على صحته فقال تعالى "الذين يؤمنون بالغيب" أي بهذه الأشياء التي كفروا بها، هؤلاء الذين ذكر كفرهم بها عنهم، وخصهم بالإيقان بالآخرة في قوله "وبالآخرة هم يوقنون" وإن كان الإيمان قد شملها، لما كان من كفر المشركين بها وجحدهم إياها، في نحو ما حكى عنهم في قوله تعالى "وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا" ومن ذلك قوله تعالى "ونحن نسبح بحمدك" أي حامدين لك نظيره "يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده" أي حامدين له نظيره "وإن من شئ إلا يسبح بحمده" أي حامدين له، ومن ذلك قوله "أتيناكم بقوة" أي مجدين مجتهدين نظيره بعده في الأعراف "كأنه واقع بهم خذوا ما آتيناكم بقوةٍ" أي بجد واجتهاد ومن ذلك قوله تعالى "وأداءٌ إليه بإحسان" أي محسناً، أي له أن يؤدي إليه محسناً لا مماطلاً ومن ذلك قوله "فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن


الصفحة التالية
Icon