ومن حذف الموصوف قوله تعالى "ولقد جاءك من نبإ المرسلين" أي شيء من نبأ المرسلين لا بد من هذا التقدير، لأنك لو لم تقدر هذا لوجب عليك تقدير زيادة من في الواجب، وليس مذهب صاحب الكتاب ومثله قراءة من قرأ "يرسل عليكما شواظ من نارٍ ونحاس" بالجر تقديره وشيء من نحاس فحذف الموصوف، إذ لا يجوز جر نحاس على النار، لأن النحاس لا يكون منه شواظ ومن حذف الموصوف قوله "وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء" أي ما أنتم بمعجزين من في الأرض فمن موصوف، وقد حذفه ومن حذف الموصوف "ودانية عليهم ظلالها" أي "وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ودانية" أي وجنة دانية، فحذف الموصوف ومثله "وما منا إلا له مقام معلوم" أي ما منا أحد إلا ثابت له مقام، فالظرف صفة ل أحد المضمر ولا بد من تقديره ليعود الهاء إليه، وهذا يدل على قول الفقهاء حيث قالوا فيمن قال لعبده إن كان في هذا البيت إلا رجل فأنت حر فإذا كان فيه رجل وصبي فإنه يحنث؛ لأن التقدير إن كان في هذا البيت أحد إلا رجل والصبي من جملة الأحد، إلا أن يعني أحداً من الرجال، فيدَّين إذ ذلك والذي يقوله النحويون في قولهم ما جاءني إلا زيد زيد فاعل ل جاء وأحد غير مقدر، وإن كان المعنى عليه؛ لأن تقدير أحد يجوز نصب زيد، ولم يرد عن العرب نصبه في شيء من كلامهم بتة وحذف أحد جاء في التنزيل، وإن لم يكن موصوفاً، كقوله "وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به" والتقدير وإن من أهل الكتاب أحد كذا "وإن منكم إلا واردها" أي إن منكم أحد وإن جعلت الظرفين في الآيتين وصفاً ل أحد على تقدير وإن أحد ثابت من أهل الكتاب، وإن أحد منكم إلا واردها، كان وجها وإن طلبت شاهداً على حذف أحد من أشعارهم، فقد أنشد سيبويه
لو قلت ما في قومها لم تيثم | يفضلها في حسب وميسم |