وقد يكون ذلك أيضاً على مذهب الإرادة، فيكون التقدير وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها بأسنا كما قال الله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" والقيام بعد غسل الوجه والمعنى إذا أردتم القيام إلى الصلاة قال الفراء ربما أتى ما بعد الفاء سابقاً إذا كان في الكلام دليل السبق فإذا عدم الدليل لم يجز وذكر قول الله تعالى "وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا" فذكر عن قوم قالوا البأس قبل الإهلاك، كما تأولوا في "ثُمَّ" مثل هذا في قوله تعالى "خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها" أي ثم خلقكم منها وقيل معناها خلقكم من نفس وحدها جعل الزوج منها بعد التوحيد، فأفادت واحدة هذا المعنى قال والأجود في قوله تعالى "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة" أن يريد ولقد خلقنا أصلكم الذي هو آدم، كما قال "هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً"، معناه خلق أصلكم، الذي هو آدم، من طين وقال الفراء في قوله تعالى "فجاءها بأسنا" إذا كان الشيئان يقعان في حال واحدة نسقت بأيهما شئت على الآخر بالفاء كقولك أعطيتني فأحسنت، وأحسنت فأعطيتني؛ لا فرق بين الكلامين؛ لأن الإحسان والإعطاء وقتهما واحد قال أبو سعيد وهذا مشبه الذي بدأت به في تفسيره، إلا أنه متى جعلنا أحدهما شرطاً جاز أن يجعل الآخر جواباً، فتدخل الفاء حيث جاز أن تكون جواباً، كقولك إن أعطيتني أحسنت، وإن أحسنت أعطيت، وإن يعط فإنه محسن، وإن يحسن فإنه معط وقال غير الفراء في قوله "هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش" معناه ثم كان قد استوى على العرش قبل أن يخلق السموات والأرض وهذا يشبه الجواب الذي حكاه الفراء في قوله "فجاءها بأسنا" وقالوا فيها جواباً آخر، على جعل ثم للتقديم، تقديره هو الذي خلق السموات والأرض، أي أخبركم بخلقهما، ثم استوى، ثم أخبركم بالاستواء ومثله "اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ثم تول عنهم" أي فأخبرهم بالإلقاء، ثم أخبرهم بالتولي