ومن هنا تضمن القسم معنى الكفالة والضمانة.
وهذا معلوم ومعروف وباق في أخذ اليمين للبيعة، وصفق اليد في البيع والشراء. ونراه في أمم أخر كالروم والهند. ونرى العبرانيين أيضاً أنهم عبروا عن القسم باليمين. فجاء في الزبور ص ١٤٤ عدد ٨ :(الذين أفواههم تنطق سوءاً ويمينهم يمين كذب).
في العبرانية :(أشر فيهم دبر سوء ويمينام يمين شاقر) والعجب من المترجمين الانكليزيين كيف ذهب عليهم هذا المعنى فترجموه بقول معناه :( اليد اليمنى منهم يد يمنى الكذب).
فلم يفهموا من كلمة اليمين القَسَمَ بل اليد اليمنى ! وهذا من أفحش العثرات، ويخبر عن قلة التفاتهم إلى العبرانية. والعجب كل العجب أنهم في هذا الزمان أصلحوا الترجمة المستندة، وغيروها كثيراً، ومع ذلك تركوا هذا الخطأ الفاحش على حاله.
ذلك وجاء ذكر العقد بصفقة الكف في أمثال سليمان في التحذير عن الضمانة ص ٦ عدد ١ :(يا بني إن ضمنت صاحبك فصفقت كفك لغريب).
فتشابهت هاتان الأمتان في أمر العقد. ولذلك صارت كلمة اليمين اسماً للقسم بين العبرانيين كما هي عندنا.
وربما غمسوا أيمانهم في إناء ماء إذا كانوا كثيرين فكأنهم أخذ بعضهم يد بعض وأجمعوا أمرهم بما مسهم شيء واحد، والماء أبلغ في المس واللصوق. ولذلك قالوا : بل بالشيء يدي، أي لصقت به. قال طرفة :
إذا ابتدر القوم السلاح وجدتني منيعاً إذا بلت بقائمة يدي
وربما أخذوا عطراً، فاقتسموه بينهم، ومسحوا به أيديهم، فراحوا، وعبقه بهم، فهو أبقى من الماء وأشهر وأعرف، ولذلك سموه عرفاً ونشراً.
ومن أمثلة هذا الطريق لمعاهدتهم ما نرى في قصة عطر مَنْشِم، وهي أن قوماً تحالفوا على أن يقاتلوا عدوهم، وجعلوا آية الحلف تعاطي عطر باعوه من عطارة تسمى منشم، وقصة هذا الحلف مشهورة حتى جرى به المثل قال زهير:
تداركتما عبساً وذبيان بعدما تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم