وكذلك نرى غمس الأيدي في العطر في قصة حلف المطيبين التي نذكرها في الفصل العاشر.
وربما ذبحوا بهيمة ورشوا دمها على أجسام الفريقين من الحلفاء علامة لموالاتهم إلى حد القرابة، أو لثباتهم على الحلف حتى يسيلوا مهجهم. جاء في سفر الخروج ص ٢٤ عدد ٥-٨ :
(وأرسل فتيان بني إسرائيل فأصعدوا محرقات وذبحوا ذبائح سلامة للرب من الثيران. فأخذ موسى نصف الدم ووضعه في الطسوس، ونصف الدم رشه على المذبح. وأخذ كتاب العهد وقرأ في مسامع الشعب. فقالوا : كل ما تكلم به الرب نفعل ونسمع له. وأخذ موسى الدم ورش على الشعب. وقال : هو ذا دم العهد الذي قطعه الرب معكم على جميع هذه الأقوال).
فترى هذا القسم أنهم عاهدوا الرب برش الدم على أنفسهم وعلى المذبح نيابة عن الرب، فصاروا حلفاء للرب. وهذا كثير، جاء في سفر زكريا ص ٩ عدد ١١ :(فإني بدم عهدك قد أطلقت أسراك).
وربما وصل بعضهم حبله بحبل الآخر، فصار من حلفائه، حتى صار الحبل اسماً لعقد الذمة والجوار، كما جاء في القرآن :(بحبل من الله وحبل من الناس).
وقال امرؤ القيس :
إني بحبلك واصل حبلي وبريش نبلك رائش نبلي
وذكر الحطيئة أصل ذلك فقال:
قوم يبيت قرير العين جارهم إذا لوى بقوى أطنابهم طنبا
فهذه طرق تأكيد عقودهم بين فريقين ومن الفريقين.
وربما حرموا على أنفسهم بعض المشتهيات حتى يفعلوا بعض ما أوجبوا على أنفسهم، وسموه (نذراً). كما نذر المهلهل أخو كليب أن لا يشرب الخمر ولا يمس الطيب ولا يرجل شعره إلى أن يأخذ بثأر أخيه، وقصته مشهورة.
وكذلك فعل أمرؤ القيس وقال بعد ما حل نذره :
حلت لي الخمر وكنت أمرءاً عن شربها في شغل شاغل
ثم توسع معناه وصار النذر التزام شيء عن طريق القسم. كما قال عمرو بن معد يكرب :
هم ينذرون دمي وأنذر إن لقيت بأن أشدا
ولذلك سموا النذر يميناً، كما قال قبيصة بعد ذكر إيفاء النذر:
فأصبحت قد حلت يميني وأدركت بنو ثعل تبلي وراجعني شعري