في أبيات ذكرت في الحماسة. أي بعد إدراك تبلي حل نذري، أي ما حرمته علي بالنذر.
ويشبه النذرَ دعوتهم على أنفسهم أو إلزامهم إياها سوءاً إن كانوا كاذبين في خبر أو وعد. كما قال معدان بن جواس الكندي :
إن كان ما بلغت عني فلامني صديقي وشلت من يدي الأناملُ
وكفنت وحدي منذراً في ردائه وصادف حوطاً من أعادي قاتلُ
ومثله ما قال الأشتر النخعي :
بَقَّيتُ وفري وانحرفت عن العلى ولقيت أضيافي بوجه عبوسِ
إن لم أشن على ابن حرب غارة لم تخل يوماً من نهاب نفوسِ
ومن هذا الدعاء بالمكروه لمحة في الأقسام الدينية. فإن فيها خوف سخط الله ولعنته إن كذب الحالف بعد إشهاد الله على قوله.
وربما كفوا عن شيء من غير شرط، وسموه (أَليَّةً) كما جاء في القرآن :(للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر). ثم توسع استعمالها فصار قولهم (آليت) مرادفاً لقولهم (أقسمت). قال امرؤ القيس:
... وآَلتْ حِلْفَةً لم تَحلَّلِ
وقال طرفة :
فآليت لا ينفك كشحي بطانة لعضب رقيق الشفرتين مهند
وقالت غنية أم حاتم الطائي :
لعمري لقدماً عضني الجوع عضة فآليت ألا أمنع الدهر جائعا
وهذا كثير في كلامهم، يقولون : آليت مرادفاً لأقسمت.
وربما استعملوا لام التأكيد، وقالوا لأفعلنه، أو مثله. كقوله تعالى:(وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)، أو كقوله تعالى :(ولينصرن الله من ينصره)، أو كقول لبيد :
ولقد علمت لتأتين منيتي إن المنايا لا تطيش سهامها
قال سيبويه رحمه الله :(كأنه قال : والله لتأتين). وإنما قال هذا على طريق التمثيل، فإنه رحمه الله أراد أن ههنا يميناً، كما قال في ذكر لام القسم.
ومثل ذلك :(لمن تبعك منهم لأملأن)، إنما دخلت اللام على نية اليمين، والله أعلم، فلم يرد أن ههنا قسماً بشيء، بل المراد أن مجرد قوله تعالى :(لأملأن) يمين. وذلك لأن القسم ليس إلا التأكيد، ولا تحتاج إلى تقدير المقسم به في كل موضع.


الصفحة التالية
Icon