وعلى هذا الأصل كل ما ترى في القرآن من لام اليمين، وإذا جاءت قبلها كلمة تدل على اليقين والجزم كانت مشابهة بكلمة القسم، كما رأيت في بيت لبيد الذي مر آنفاً. ومثله في قوله تعالى :(ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين).
ومثله قوله تعالى:(قال فالحق والحق أقول * لأملأن جهنم).
فليس لك أن تقدر مقسماً به في هذه الأمثلة التي ذكرناها، ولا يليق بها كما يظهر من سياق الكلام.
فكل ما ذكرنا من طريق اليمين والحلف وتعبيراته يدلك على أن المقسم به ليس من لوازم القسم حتى تقدره كلما لم يذكر، إنما أرادوا بالقسم تأكيداً محضاً للقول أو إظهار عزم وصريمة ألزموا به على أنفسهم فعلاً أو ترك فعل.
(٧)
بيان أن القسم لا يلزمه المقسم به
بإيضاح معاني كلمات كثر استعمالها للقسم
ليس القسم بالله أو بشعائره من المعاني البسيطة حتى يوضع له اللفظ أولاً، فيظن أن المقسم به إذا لم يذكر كان المراد منه القسم بالله تعالى. إنما القسم التعظيمي نشأ من تركيب دواعي المعاشرة وعقائد الدين. ويأتيك بيانه في الفصل العاشر.
وأما في هذا الفصل فنوضح معاني كلمات كثر استعمالها للقسم، لتعرف أنها في أصلها لم توضع للقسم بالله أو بشعائره، أو بشيء آخر. وهذه الكلمات هي : اليمين، والنذر، والألية، والقسم، والحلف.
أما اليمين، فقد علمت وجه استعمالها، وعمومها للقسم، وما فيها من معنى الرهن، والكفالة، والضمانة فلا نعيده.
وأما النذر فهو الإبعاد والتحذير. ومنه إبعاد الشيء عنك، وجعله لله، فصار بمعنى التحريم. وبهذا المعنى يستعمل في العبرانية. ومنه تحريم المشتهيات، ثم توسع لإلزام الشيء على النفس على وجه القسم كما مر.