وأما الأَليَّةُ فمعناها الإقصار عن الأمر، فيقال (الآلي) للمقصر العاجز عن الشيء. ثم جاء لترك الشيء. ومنه الإيلاء من النساء على وجه القسم، ثم توسع في معنى إلزام الشيء سواء كان للترك أو الفعل، ولكنه أكثر في إلزام ما فيه شوب من المضرة، فشابه النذر، كما قال ابن زيابة التيمي :
آليت لا أدفن قتلاكم فدخنوا المرء وسرباله
ثم توسع وصار مرادفاً للقسم، كما مر في الفصل السابق.
وأما القسم فهو في أصله للقطع. ومنه قسمت الشيء وقسمته. والقطع يستعمل لنفي الريب والشبهة، ولذلك شواهد كالصريمة، والجزم، والقول الفصل، والإبانة والصدع، والقطع فهذا هو الأصل.
ثم اختص القسم من بين هذه الألفاظ بشدة الفصل بالقول. واستعماله من باب الإفعال لخاصية المبالغة كقولهم (أسفر الصبح). ولا يلزمه أن يكون له مقسم به سواء كان على خبر أو عقد، كما قال طرفة :
كَقنطرةِ الروميِّ أقسمَ رَبُّهَا لَتُكْتَنَفَنْ حتى تُشادَ بِقَرمَدِ
وهذا كثير في كلام العرب. قالت جنوب في مرثيتها المشهورة:
فأقسمت يا عمرو لو نبهاك إذاً نبها منك أمراً عضالا
وقال ريطة السلمية :
فأقسمت لا أنفك أحدر عبرة تجود بها العينان مني لتسجما
وقالت خرنق أخت طرفة:
ألا أقسمت آسى بعد بشر على حي يموت ولا صديق
وجاء في القرآن :(أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) ومنه قوله تعالى:(وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين * فدلاهما بغرور).
فإن قيل : إن المقسم به مقدر، وهو الله تعالى.
قلنا : إن أردت الاحتمال فلا ننكره. إنما قولنا إنه غير لازم، فلقد رأينا أن القسم يكون بالله تعالى وبغيره، وربما يكون مجرداً عن المقسم به، وحينئذ لا يراد به إلا التأكيد والجزم المَحض.
وأما الحلف فمعناه القطع والحدة، فيشابه كلمة القسم. يقال : سنان حليف، أي قاطع، ولسان حليف، أي حديد ذَلْق. وعند الأزهري هذا مأخوذ من الحَلْفِ، وهو نبات أطرافه محددة.