وإذا أضيف إلى المتكلم دل على عزته ومنعته، كأنه قال : إن حياتي وعزي منيع لا يرام. ومن هذه الجهة لا ينبغي هذا القسم لعباد الله الخاشعين المتواضعين. ولعل المسيح أشار إلى هذا الأمر حيث قال عليه السلام فيما نهى عن الحلف مطلقاً :( لا تحلف براسك لأنك لا تقدر أن تجعل شعرة واحدة بيضاء أو سوداء).
الثالث: أنه لما كان من بعض وجوه القسم الدعاء بالسوء على الحانث، كما مر في الفصل السادس، وربما انضم بهذا النوع ذلك المفهوم، كأن الحالف قال: إن كنت كاذباً أُبِيدَ عمري، وأهينت عزتي.
ولا يخفى عليك مما ذكرنا أن هذا النوع من القسم لا يكون إلا بإضافة المقسم به، إما إلى المتكلم أو إلى المخاطب، ولا يكون إلا بألفاظه الخاصة التي ذكرناها. ولا يكون إلا بأمور عرف عزتها على المتكلم. فبين أن أقسام القرآن بالذاريات والعاديات والخنس الجوار الكنس وأمثالها لا يكون من هذا النوع.
واعلم أن هذه الأقسام ليست من جهد أيمانهم، وعلى الأكثر تستعمل لمحض التأكيد بمعنى أقسمت، ولذلك ربما قالوا: لعمر الله، فلا يريدون بها تمام معناها الأصلي إلا إذا بينوه كما مر في قول ريطة السلمية والنابغة.
ثم إن لهم أيماناً غليظة غير ذلك، ويأتيك ذكرها في الفصل الآتي.
(١٠)
القسم على وجه التقديس للمقسم به
تقدم الحديث عن دواعي توثيق أقوالهم، فربما دعتهم تلك الدواعي إلى مبالغة الاستيثاق والمغالاة فيه، فكانوا يجتمعون للمعاهدة بمشهد معابدهم. وبذلك خلطوا بالقسم جهة دينية، وأرادوا به جعل الرب شاهداً على قولهم، فإن كذبوا فيما أقسموا عليه أسخطوه.
ولما كانت دائرة حكومتهم ضيقة، ولم تفرق الأمم المتجاورة حدود فطرية كالجبال الشامخة، والبحور المتلاطمة، لم يمنع الجيران عن الاقتتال غير المعاهدة، فصارت هي أحصن معاقلهم.