القسم نفسه لا يليق بجلالة الله ربنا ؛ فإن الذي يحلف على قوله يهين نفسه، ويضعها موضعَ مَنْ لا معوَّلَ على حديثه، وقد جاء في القرآن:(ولا تطع كل حلاف مهين) القلم ١٠، فجعل الحلف من الخلال المذمومة، ونهى المسيح الحواريين عن الحلف مطلقاً، فقال لهم :(ليكن قولكم نعم نعم أو لا لا ولا تحلفوا).
القسم في القرآن جاء على أمور مهمة، كالمعاد والتوحيد والرسالة. ولا فائدة فيها للقسم، لا للمنكر بها ؛ فإنه يطلب الدليل والبرهان، والقسم ليس فيه شيء منه، ولا للمؤمن فإنه قد آمن بها.
القسم يكون بالذي عظم وجلَّ. وقد قال النبي - ﷺ - :(من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت). فنهى عن القسم بغير الله. فكيف يليق بجلالة ربنا أن يقسم بالمخلوق ولا سيما بأشياء مثل التين والزيتون؟
فهذه ثلاث شبهات، ونذكر أولاً ما أجاب به الرازي وغيره من المتقدمين، وندلك على ما فيه من الضعف، لنحذرك عن التمسك بالعرى الواهنة، فإنه أكبر ضرراً في الدين، وأبسط لألسنة المعاندين. ومع ذلك ندعو أن يجازيهم الله بما اجتهدوا في الذب عن بيضة الحق وذماره، كما أدعو أن يجعلني من حزب الحق وأنصاره.
(٣)
طريق الإمام الرازي
في الجواب عن هذه الشبهات
قد ذكر الإمام الرازي الشبهة الثانية، وأجاب عنها في تفسير سورة (والصافات). فقال:(والجواب من وجوه :
الأول : أنه تعالى قرر التوحيد، وصحة البعث والقيامة في سائر السور بالدلائل اليقينية، فلما تقدم ذكر تلك الدلائل لم يبعد تقريرها، فذكر القسم تأكيداً، لا سيما والقرآن أنزل بلغة العرب، وإثبات المطالب بالحلف واليمين طريقة مألوفة عند العرب).


الصفحة التالية
Icon