وفيما ذكر من نزول القرآن بلغة العرب، وكون اليمين طريقة مألوفة عندهم أيضاً جواب للشبهة الأولى. وحاصل هذا الوجه أن القسم إنما هو مسبوق بالدلائل، فالمعوَّلُ عليها. وأما إيراد القسم فهو للتأكيد المحض كما هو عادة العرب. والظاهر أن هذا الجواب يناقضه القرآن فإنك في أوائل الوحي ترى القسم أكثر مما تراه بعد استيفاء الدلائل.
(الوجه الثاني في الجواب أنه تعالى لما أقسم بهذه الأشياء على صحة قوله تعالى :(إن إلهكم لواحد) ذكر عقيبه ما هو كالدليل اليقيني في كون الإله واحداً، وهو قوله تعالى:(رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق). وذلك لأنه تعالى بين في قوله :(لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أن انتظام السموات والأرض يدل على أن الإله واحد. فهاهنا لما قال:(إن إلهكم لواحد) أردفه بقوله:(رب السموات والأرض وما بينهما ورب المشارق). كأنه قيل: قد بينا أن النظر في انتظام هذا العالم يدل على كون الإله واحداً، فتأملوا في ذلك الدليل ليحصل لكم العلم بالتوحيد).
وحاصل هذا الجواب أن القسم هاهنا مردف بقول فيه الحجة، فالاحتجاج بها. وأما القسم فلمحض التنبيه. وهذا الجواب يشبه الجواب الأول. وكلاهما ساكت عن بيان حكمة هذه الصور المتنوعة للقسم. فأي فائدة للعدول عن القسم بالله إلى القسم بهذه الأشياء.
(الوجه الثالث في الجواب أن المقصود من هذا الكلام الرد على عبدة الأصنام في قولهم بأنها آلهة فكأنه قيل: هذا المذهب قد بلغ في السقوط والركاكة إلى حيث يكفي في إبطالها مثل هذه الحجة والله أعلم).
هذا الجواب سخيف جداً. كأنه بعد ما اعترف في الوجهين الأولين بأن القسم لا حجة فيه، قال : إن مذهب الخصم كان جديراً بأن يجاب عنه بما ليس من الحجة في شيء.


الصفحة التالية
Icon