ثم ذكر من حكمة القسم في تفسير سورة الذاريات ما يشبه بالجواب عن الشبهات، فقال :(قد ذكرنا الحكمة في القسم، وهي من المسائل الشريفة، والمطالب العظيمة، في سورة والصافات، ونعيدها ههنا. وفيها وجوه :
الأول : أن الكفار كانوا في بعض الأوقات يعترفون بكون النبي غالباً في إقامة الدليل، وكانوا ينسبونه إلى المجادلة وإلى أنه عارف في نفسه بفساد ما يقوله، وأنه يغلبنا بقوة الجدل لا بصدق المقال، كما أن بعض الناس إذا أقام عليه الخصم الدليل، ولم يبق له حجة، يقول: إنه غلبني بطريق الجدل وعجزي عن ذلك، وهو في نفسه يعلم أن الحق بيدي، فلا يبقى للمتكلم المبرهن طريق غير اليمين، فيقول : إن الأمر كما أقول، ولا أجادلك بالباطل.
وذلك لأنه لو سلك طريقاً آخر من ذكر دليل آخر، فإذا تم الدليل الآخر، يقول الخصم فيه مثل ما قال في الأول إن ذلك تقرير بقوة الجدل، فلا يبقى إلا السكوت أو التمسك بالأيمان وترك إقامة البرهان).
وفي هذا الجواب خلط بين الغث والسمين، ونقض لما قال في تفسير سورة والصافات، فإنه رحمه الله أجاب هناك في الوجه الثاني بأن القسم يتبعه الدليل، وإنما كان القسم لأجل التأكيد، والأمر كذلك. فإن القرآن لا يسكت على القسم، فلو قال إن الدليل المحض ربما لا ينجع في الخصم إذا كان قليل المعرفة بالاستدلال، وقليل الاعتماد على نظره أو متهماً للمتكلم بخلابة بيانه، فيحسن في هذه الحالات شوب الحجة باليمين – فلو قال هكذا لكان أقرب.
(الثاني: هو أن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة، وتعتقد أنها تدع الديار بلاقع، ثم إن النبي - ﷺ - أكثر من الأيمان بكل شريف ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتاً، وكان يحصل لهم العلم بأنه لا يحلف بها كاذباً، وإلا لأصابه شؤم الأيمان، ولناله المكروه في بعض الأزمان).


الصفحة التالية
Icon