وفي هذا الجواب كأنه أشار إلى سبب كون اليمين طريقة مألوفة عند العرب كما مر، وقد أصاب في ذلك لو لم يزد عليه ما قال من أن النبي - ﷺ - أكثر من الأيمان بكل شريف، كأنه بين سبب خوفهم، وأراد أنهم إذا أقسموا بكل شريف خافوا سخطه إن كذبوا في يمينهم به.
وضعف هذا القول ظاهر، فإن أقسام القرآن:
ربما يكون بما ليس فيه شرف.
والقرآن يهدي إلى أن لا نخاف إلا الله.
وأي شؤم يخاف من التين والزيتون.
ثم النبي - ﷺ - كان يبلغ القرآن من الله فالقسم منه تعالى. وهو لا يخاف أحداً.
فلو اقتصر على الجزء الأول من جوابه، وقال : إن العرب كانت تحترز عن الأيمان الكاذبة، وتخاف مغبتها، وتعتقد أن الرجل لا يحلف كذباً، فإذا حلف أحدٌ أصغوا إليه، كان أقرب إلى ما يجاب به عن الشبهة الأولى والثانية جواباً ضعيفاً.
(الثالث : أن الأيمان التي حلف الله تعالى بها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان. مثاله قول القائل لمنعمه: وحق نعمك الكثيرة، إني لا أزال أشكرك. فيذكر النعم، وهي سبب مفيد لدوام الشكر، ويسلك مسلك القسم. كذلك هذه الأشياء كلها (أي التي أقسم بها في أول الذاريات) دليل على قدرة الله تعالى على الإعادة. فإن قيل فلم أخرجها مخرج الأيمان؟ نقول : لأن الإنسان إذا شرع في أول ملامه بحلف يعلم السامع أنه يريد أن يتكلم بكلام عظيم فيصغي أليه أكثر من أن يصغي إليه حيث يعلم أن الكلام ليس بمعتبر، فبدأ بالحلف، وأدرج الدليل في صورة اليمين).
هذا الجواب يكفي لدفع الشبهة الثانية. ولكن يلزم على القائل به أن يبين وجه الاستدلال بالمقسم به على المقسم عليه.
وهذا – مع كونه ظاهراً في بعض المواضع – كثيراً ما يحتاج إلى إمعان شديد. ولعله لهذا السبب لم يعتمد عليه إلا في سورة الذاريات وفي بعض آخر. وأما في البواقي فله طريقان:


الصفحة التالية
Icon