الأول : أنه ينكر وجود القسم إذا أمكنه الإنكار فراراً عن شبهات واردة على القسم. كما قال في تفسير سورة القيامة في ذكر (لا) التي تبتدئ بها السورة.
(الاحتمال الثاني أن (لا) هنا لنفي القسم. كأنه قال : لا أقسم بذلك اليوم وتلك النفس، ولكني أسألك غير مقسم : أتحسب أنا لا نجمع عظامك إذا تفرقت بالموت. فإن كنت تحسب ذلك فاعلم أنا قادرون على أن نفعل ذلك. وهذا القول اختيار أبي مسلم وهو الأصح).
هذا القول غير مختار عند العارف بكلام العرب. فإنه لو كان المراد كما فهم لكان وجه القول نفي مجرد القسم لا ذكر الأشياء الخاصة كالنفس اللوامة والخنس الجواري الكنس وغيرها. ثم هذا مخالف لأسلوب كلامهم. فإنهم يستعملون كلمة (لا) قبل القسم منقطعة، كما بينا في تفسير سورة القيامة. وهذا هو مختار الزمخشري.
والطريق الثاني : هو القول بأن القسم للتأكيد والتنبيه على شرافة المقسم به. قال في تفسير الذاريات : وقد عرفت أن المقصود من القسم التنبيه على جلالة المقسم به).
وعلى هذا الأصل قال في تفسير سورة التين :(اعلم أن الإشكال هو أن التين والزيتون ليسا من الأمور الشريفة فكيف يليق أن يقسم الله تعالى بهما ؟ فلأجل هذا السؤال حصل فيه قولان) ثم ذكر فوائدهما إن كان المراد منهما هذه الأثمار، وذكر شرافتهما إن كان المراد منهما مسجدين أو بلدين.
وقد علمت أن التمسك بهذا الجواب مع كونه بادي الخلل لا يزيل الشبهة الثالثة، فإن هذه الأشياء التي أقسم بها في القرآن، ومنها : العاديات ضبحاً، والجواري الكنس، والليل، والصبح، والتين والزيتون، ليست من الجلالة بمكان يقسم بها خالقها وربها إن كان القسم لأجل شرافتها.
(٤)
طريق العلامة ابن القيم رحمه الله
في تأويل أقسام القرآن لدفع الشبهات