لم يضع العلامة ابن القيم كتابه على شكل المجادلة، فيذكر الشبهات ويجيب عنها، لكنه بحث عن حكمة القسم في القرآن، وبين فيه ما يزيل الوهم ويحسم جراثيم الاعتراض، وركنَ إلى الجواب الذي استحسنتُه. ولكنه مثل الرازي لم يتمسك به كل التمسك، فذبذب بين أمرين. وهو في كتابه ربما يشرع في تفسير السور التي فيها القسم، ويخرج من قول إلى قول.
وإني أورد عليك خلاصة جوابه، وندلك على موضع الخلل فيه حسب شرطنا.
فاعلم أنه رحمه الله سلك مسلك الاستقراء، فمهد أولاً أن أقسام القرآن كلها بالله وصفاته وآياته، فقال:
(وهو سبحانه يقسم بأمور على أمور. وإنما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنه من عظيم آياته). وبعد ذكر الأمثلة قال :
(إذا عرف فهو سبحانه يقسم على أصول الإيمان التي يجب على الخلق معرفتها. تارة يقسم على التوحيد، وتارة يقسم على أن القرآن حق، وتارة على أن الرسول حق، وتارة على الجزاء والوعد والوعيد، وتارة على حال الإنسان).
ومآله عنده إلى الجزاء، فاقتصر القسم على ثلاثة أمور. وهذه الثلاثة مآلها واحد. وهو صفته تعالى، كما ستعلم من قوله عن قريب. فبعد هذا التمهيد لم يبق له كبير حاجة إلى جواب القسم، فإن القسم بنفسه دلالة على المقسم عليه المعلوم المتعين، وهو أحد الأمور الثلاثة، فقال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة والعاديات وسورة والعصر:
(حُذِفَ جواب القسم لأنه قد عُلِمَ بأنه يقسم على هذه الأمور (أي التوحيد والنبوة والمعاد) وهي متلازمة. فمتى ثبت صدق الرسول الذي جاء به. ومتى ثبت أن الوعد حق والوعيد حق ثبت صدق الرسول وصدق الكتاب الذي جاء به. والجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره بل يراد تعظيم المقسم به، وأنه مما يحلف به).