فهذه الأقسام عنده دلالات على صفات الله، كما قال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة البروج :(وكل ذلك من آيات قدرته وشواهد وحدانيته) ثم قال :(والأحسن أن يكون هذا القسم مستغنياً عن الجواب لأن القصد التنبيه على المقسم به وأنه من آيات الرب العظيمة).
وكذلك قال في ذكر القسم الذي تبتدئ به سورة الطارق :( والمقصود أنه سبحانه أقسم بالسماء ونجومها المضيئة، وكل منها آية من آياته الدالة على وحدانيته).
ثم قال في ذكر القسم الذي جاء في وسط هذه السورة:(فأقسم سبحانه بالسماء ذات المطر والأرض ذات النبات، وكل ذلك آية من آيات الله تعالى الدالة على ربوبيته).
وهكذا قال في ذكر القسم الذي في أواخر سورة الانشقاق :(وهذه _أي الشفق والليل والقمر وأمثالها آيات دالة على ربوبيته مستلزمة للعمل بصفات كماله). ثم قال في جواب هذا القسم :( يجوز أن يكون من القسم المحذوف جوابه). وهذا لما قلنا أنه لا يحتاج إلى جواب القسم فإن المقسم عليه عنده معلوم متعين.
هذا، ولا يخفى عليك الفرق بين طريق الرازي رحمه الله الذي أشار إلى أجوبة مختلفة ربما يناقض بعضها بعضاً وبين طريق ابن القيم رحمه الله الذي عمد إلى نهج واحد، واجتهد أن يعول عليه في جميع الأقسام. وهذا الطريق أحسن.
والآن ندلك على ملاك الأمر في جوابه، فاعلم أنه رحمه الله اعتمد على أصلين :
الأول : أنه سبحانه وتعالى إنما أقسم بنفسه وآياته. وأما القسم بالمخلوقات فهو أيضاً من باب القسم بذاته فإنها من آياته. وأراد بهذا الأصل إزالة الشبهة الثالثة وهي تعظيم المخلوق فوق مكانته. ولكنها لم تزل، فإن القسم تعلق صريحاً بالمخلوقات. وكونها من آياته ودلائل صفاته لا يخرجها عن كونها المقسم بها.