وقوله :(والجواب يحذف تارة ولا يراد ذكره بل يراد تعظيم المقسم به وأنه مما يحلف به) تصريح منه بأنه سبحانه أقسم بغير ذاته المقدسة، وأراد تعظيم بعض مخلوقاته. فغاية الأمر أنه تعالى لم يقسم بها إلا من جهة شريفة. ولا بأس بأن يجعل الله تعالى لبعض مخلوقاته شرفاً وكرامة، لكن الشبهة ليست في محض شرافة بعض الأشياء، فرب صغير كبير، ورب ضئيل نبيل لا ختلاف الاعتبارات، بل الشبهة في وضعها موضع ما يقسم به الرب تعالى شأنه علواً كبيراً.
والأصل الثاني الذي اعتمد عليه هو أن الأقسام كلها دلالات على المقسم عليه. وأراد بهذا الأصل إزالة الشبهة الثانية، كما فعل الرازي رحمه الله حين ذكره في وجوه أخر، فلم يعتمد عليه. وأما ابن القيم رحمه الله فاعتمد على هذا الأصل كل الاعتماد، وفسر أكثر آيات القسم على طريق يظهر به دلالة المقسم به على المقسم عليه. وإذا أشكل عليه الربط جعل المقسَم عليه محذوفاً. وجعل القسم دالاً على صفات الله وغيرها مما ذكرنا آنفاً.
ومع هذا الوهن في جوابه والتصريح أحياناً بأن القسم لتعظيم المقسم به، لقد أجاد وأصاب أو قد كاد في غير موضع من كتابه.
(٥)
طريق هذا الكتاب في الجواب
على سبيل الإجمال
لايخفى عليك مما سبق من أقوال العلماء رحمهم الله أن أحسنهم قولاً من يقول إن هذه الأقسام دلالات. ولكن الغمة التي لم تنجل عنهم، والمضيق الذي لم يخرجوا منه هو ظنهم بكون القسم مشتملاً على تعظيم المقسم به لا محالة. وذلك هو الظن الباطل الذي صار حجاباً على فهم أقسام القرآن، ومنشأ للشبهات. فنبطله أولاً حتى يتبين أن أصل القسم ليس في شيء من التعظيم، وإنما يفهم من بعض أقسامه.
ثم نبين أن أقسام القرآن بالمخلوقات ليست إلا آيات دالة، وأنها نوع من القسم مباين للأقسام التعظيمية، وليس من القسم بصفات الله كما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله.