إني ورب المخيسات وما يقطعن من كل سربخ جدد
والبدن قد قربت لمنحرها حلفة بر اليمين مجتهد
وقال عارق الطائي:
فأقسمت جهداً بالمنازل من منى وما سحقت فيه المقادم والقمل
وبقي بعد ذلك في الإسلام. قال الفرزدق:
ألم ترني عاهدت ربي وإنني لبين رتاج قائماً ومقام
على حلفة لا أشتم الدهر مسملاً ولا خارجا من في زرو كلام
وقال الحطيئة :
لعمر الراقصات بكل فج من الركبان موعدها مناها
فتلك جل أقسامهم الدينية، ولا يخفى عليك أنهم لم يريدوا بها إلا إشهاد الإله المعبود الذي جعلوه شاهداً، وبذلك جعلوه وكيلاً وكفيلاً على العقود. ومرادهم أنهم إن كذبوا بعد ذلك أسخطوا الله، كما صرح به النابغة في أبيات مرت في هذا الفصل.
وأما مراد الصلحاء من إشهاد الله تعالى فليس إلا اعتمادهم وتوكلهم على ربهم، وإظهار جدهم في شهاداتهم، كما سترى في أمثلة تجدها في آخر هذا الفصل.
وإنما ذكرت العرب في أيمانهم الكعبة والنحر عندها ومسحها تأكيداً لمعنى الإشهاد وإشارة إلى طريق قسمهم بالإله عند بيته. ولذلك ترى زهيراً يسمي المنحر (مقسمة) وأنه هناك تجمع أيماننا. وإذا كان القسم بمحض اسم الرب عاماً، لا ينتبه له بينوه بذكر أصله، وصوروه ببيان شكله، ليكون أوقع في القلب.
وهذا المراد الذي فهمنا من أحوالهم وأشعارهم يؤيده تصريحهم بإشهاد الله تعالى في أيمانهم. فيقولون :(والله شهيد)، (والله يعلم) أو ما يشبهه، كما قال عمرو بن معد يكرب:
الله يعلم ما تركت قتالهم حتى علوا فرسي بأشقر مزبد
وقال الحارث بن عباد:
لم أكن من جناتها علم الله وإني بحرها اليوم صال
أو كما صرح النابغة الذبياني في ذكر قصة الحية وحليفها الذي لدغت ابنه فمات، ثم صالحته على أن تعطيه دية ابنه. فلما كاد الرجل أن يستوفي الدية هم بقتلها، ولكن وقاها الله ضربته، فحينئذ دعاها للعهد مرة أخرى. فذلك يذكر النابغة بقوله:
فقال : تعالي نجعل الله بيننا على ما لنا أو تنجزي لي آخره