فقالت يمين الله أفعل إنني رأيتك مسحوراً يمينك فاجره
أو كما صرح به النبي - ﷺ - في خطبة البلاغ، فقال بعد ما بلغهم عوازم الأمور :(ألا هل بلغت اللهم اشهد). فجعل الرب شاهداً على ما عاهدهم به.
أو كما قال حين رجع إليه ابن اللتبية الأزدي، وقد استعمله على الصدقة، وأخذ الهدايا، فأسخط النبي - ﷺ -. فبعد ما أخبرهم النبي - ﷺ - بتبعات الغلول رفع عليه السلام يديه إلى السماء، وقال:(اللهم هل بلغت) ثلاث مرات. فهذا رفع اليد كان لإشهاد الله تعالى على ما قال. كأنه قال : اللهم اشهد.
وهكذا نرى إشهاد الله برفع اليد إلى السماء في قصة إبراهيم عليه السلام. جاء في سفر التكوين ص ١٤ عدد ٢٢ :
(فقال إبرام (إبراهيم) لملك سدوم رفعت يدي إلى الرب الإله العلي مالك السماء والأرض، ٢٣ لا آخذن لا خيطاً ولا شراك نعل، ولا من كل ما هو لك).
أي أقسمت بالله على ذلك وأشهدته وعاهدته.
ورفع اليد في الصلاة للعهد والشهادة وتفصيل ذلك في كتاب (أصول الشرائع).
أو كما صرح به القرآن في غير موضع. وقد مر أمثلته في الفصل الثامن.
وجملة الكلام أن الأيمان الدينية أيضاً أصلها الإشهاد. وإنما اختلط بها معنى التعظيم من جهة المقسم به، لامن جهة محض الإشهاد الذي هو أظهر معنى القسم بالشيء.
ويتضح هذا الأمر من نوع آخر من أقسامهم التي أشهدوا فيها بالمقسم به على وجه الاستدلال لا غير. وهو مسلك لطيف من البلاغة. ونذكره في الفصول الآتية.
(١١)
القسم على وجه الاستدلال بالمقسم به
قد تبين مما ذكرنا أنهم كانوا يقسمون بالشهادة من أنفسهم أو بالشهادة بالله تعالى. وإذ كانت الشهادة بالله أكبر الشهادات، كثر القسم بها، ولذلك ظن من قل التفاته إلى أساليب الكلام وفنون بلاغته أن الإشهاد لا يكون إلا بالمعبود وعلى جهة التعظيم.