قتلنا خمسة ورموا نعيما وكان القتل للفتيان زينا
لعمر الباكيات على نعيم لقد جلت رزيته علينا
فلم يقسم بالباكيات إلا لأن حالهن يشهد على جلالة هذه الرزية، وهذا النوع من القسم، وإن لم يكثر في كلامهم لدقة مذهبه، ولغلبة أقسام أخرى ولكنه طريق واضح، وأسلوب خاص، يجمع ابواباً من البلاغة، كما سيأتيك بيانها في الفصل السابع عشر؟ ويوجد في العرب والعجم وندلك على عمومه بإيراد بعض الأمثلة من كلام اليونانيين.
(١٢)
القسم على وجه الاستدلال
في كلام ديماسثنس أعظم بلغاء يونان
كانت اليونان في أول أمرهم على حرية كاملة، لم يملكهم ملك، بل يدور أمرهم على الجمهورية، حتى نشأ فيهم فيلبوس أبو إسكندر الأعظم. فتملك عليهم. ولكن لم يستقر حكمه إلا بعد مشاجرات بالجمهور. وكان يحرضهم عليها أعظم خطبائهم ديماسثنس الشهير. فلما هزمهم فيلبوس قام هذا الخطيب على أهل أثينة وهي عاصمة بلادهم، وألقى عليهم خطبته الطنانة يسليهم على هزيمتهم ويمدحهم على إلقاء نفوسهم إلى الهلاك لإبقاء حريتهم، وكان خطيب آخر يسمى أسكنس يمنعهم عن مخالفة الملك، فقال ديماسثنس راداً على أسكنس ومادحاً أهل أثينة.
(أيها الأثينيون إنكم لم تكونوا على الباطل حين خاطرتم بنفوسكم في القتال عن حرية يونان وسلامتها، وفي ذلك لكم أسوة في أسلافكم، فإنهم لم يكونوا على الباطل : الذين قاتلوا على مراثن، الذين قاتلوا على سلامس، الذين قاتلوا على فلاطي. إنكم لم تكونوا على الباطل. كلا، لم تكونوا. أقسم بالذين خاطروا بنفوسهم على معركة مراثن، الذين من أسلافكم ألقوا بنفوسهم إلى الهلاك على ميدان مراثن، الذين كانوا في الحرب البحرية عند سلامس وأرطميسيم، والذين كافحوا الأعداء على فلاطى. فيا أسكنس إن أهل البلد لم يكرموا الفائزين منهم فقط، بل أكرموهم أجمعين بإكرام جنازتهم إكراماً جمهورياً).


الصفحة التالية
Icon