وربما أرادوا به ضرب مثل على وجه التشبيه ادعاء من المتكلم كما ترى في قسم عروة بن مرة. فإنه ضرب المرخة مثلاً لقبيلة بكر التي استغاث بهم أبو أمامة، فشبههم بالمرخة. وهذا محض الادعاء، ولكن الدعوى إذا كانت بطريق الإشارة يتلقاها المخاطب بالقبول، مثلما تراه في التشبيه والكناية، كما بينوه في كتب المعاني، ونرجع إلى هذا البحث في الفصل السابع عشر إن شاء الله تعالى.
وربما أرادوا به تأييداً للقول، فأشهدوا بالمقسم به لكونه مؤكداً للمقسم عليه، كما ترى في قول يوبولس. فإنه أشهد بإكليله الذي أكرمه به قومه. وهو أقصى الغاية عندهم في التعظيم. فكأنه قال في رد قول مخالفه، إني بعد هذا الشرف الدائم كيف يظن بي أني أسخط بهم. وكان في هذا الاستدلال ضعف فإنه يمكن لمخالفه أن يقول : أنت مع هذا الإكرام العظيم تبدلت، وصرت جاحد النعمة. فأكد قسمه بالإكليل بذكر شرف نفسه، فقال: إني اقتنيته في أشهر حروبهم التي بدت فيها منازل سراة القوم، فكنت فيها من الطراز الأول. فبعد هذا التأكيد لم يترك لخصمه إلا محل حسود يسيئ الظن بالكرام. ولكن في هذا الاستدلال لا يتم التقريب بين الدعوى ودليلها.
وربما أرادوا به حجة قاطعة على قولهم بذكر أمر جامع بين المقسم به والمقسم عليه، كما ترى في قسم ديماسثنس. فإنه ذكر حسن فعال أسلاف المخاطبين، وهم لا يشكون فيه، واحتج به على حسن فعال الذين اتبعوا أسلافهم. ولذلك صرح أولاً بأن لكم أسوة في أسلافكم وهذا لعمرك أحسن وجوه هذا النمط من القسم.
(١٥)
الأدلة المأخوذة من نفس القرآن
على ما فيه من الأقسام الاستدلالية
بعدما تبين لك أن القسم أصله الاستشهاد، وأنه لا يراد من التعظيم، إلا إذا كان بالله تعالى وبشعائره، وعلمت أنه ربما يكون لمحض الاستدلال، لا يخفى عليك أن أقسام القرآن التي بنى عليها المعترض الشبهتين الأخيرتين ليست إلا للاستدلال والإشهاد بالآيات الدالة.