ثم ترى هذه الآيات أشهد بها القرآن على أسلوب القسم، فأشهد بالسماء والأرض والشمس والقمر، والليل والنهار، والفجر والضحى، والريح والسحاب، والجبال، والبحر والبلد، والإنسان والوالد والولد، والذكر والأنثى، والشفع والوتر. فكونها آيات دالة له نظير، ولا سبيل إلى إرادة تعظيمها.
والثالث : ما يدلك عليه نفس المقسم به. فإن العاقل لا يتوهم أن الله تعالى يضع مخلوقاته موضع المعبود المقدس، لا سيما الذي ليس له كبير تقدس كالخيل العادية والريح الذارية، وقد صرح القرآن بكون هاتيك المقسم بها من السماء والأرض والشمس والقمر والنجوم وغيرها مسخرة مدللة طائعة. ففي نفس القسم بها دلالة على أن المراد محض الإشهاد بها.
والرابع : ما ترى من المناسبة الظاهرة بين المقسم به والمقسم عليه. فإن القرآن وضع أكثر هذه الأقسام بحيث لا يخفى على العاقل جهة دلالتها على ما أقسم عليه. ولذلك ترى صاحب التفسير الكبير – رحمه الله – مع ظنه بأن القسم للتعظيم، وتكلفه لبيان فضائل التين والزيتون – لم تخف عليه جهة عامة في دلالة الأقسام التي جاءت في أول سورة الذاريات فقال: (إنها كلها دلائل أخرجها في صورة الأيمان). ولو تأمل في سائر أقسام القرآن التي جاءت على وجه الاستدلال لاختار هذا التأويل في جميعها.
والخامس : ما ترى من تعميم المقسم به على طريق تعميم الآيات الدالة، كما قال تعالى :(فلا أقسم بما تبصرون * وما لا تبصرون) فلم يترك شيئاً إلا وقد أقسم به، كما قال :(وإن من شيء إلا يسبح بحمده) فلم يترك شيئاً إلا وقد أنطقه بحمده وأشهده بمجده. ويشبه هذا التعميم استعمال المتقابلين حيث أقسم بالليل والنهار والأرض والسماء. فكيف يظن أن الله عَظَّمَ كل شيء ؟ والسبيل إلى جعله آية دالة ظاهر فلا يصار إلا إليه.