أي إن لكم فيهن آية على الربوبية والدينونة، كما فصل ذلك في غير موضع من القرآن. فبعد ما ذكر أن الأرض والسماء قد اشتملت على آيات الجزاء بل على نفس الجزاء، جاء بقوله :( فورب السماء والأرض إنه) أي الدين والجزاء. وليس المراد به القرآن كما توهموه (لحق مثل ما أنكم تنطقون).
فلا يخفى أن هذا القسم – مع دلالته على التقديس لكونه إشهاداً بالله تعالى – قد تضمن الاستدلال بآيات في الأرض والسماء، لما عبر عن المقسم به على صفة تشير إلى ما سبق من صريح الاستدلال بالآيات الدالة. ولما كان وجه التعظيم في هذا القسم أظهر، وكاد يشغل عن وجه الاستدلال حسن التمهيد له من قبل.
وفي هذا القدر كفاية إن شاء الله تعالى. فإذا سأل سائل: كيف خفي الصواب على العلماء، أم كيف يطمئن القلب بهذا القول المبتدع. أجبناه بما نذكره في الفصل الآتي.
(١٦)
بعض أسباب خفاء الوجه الصحيح
في تأويل أقسام القرآن
مما ذكرنا من أقوال العلماء في الفصول السابقة نرى أن هذا المعنى للقسم ليس ببدع، بيد أنه خفي عليهم بعض وجوهه ومعانيه. فلم يتمسكوا به كل التمسك. فإما أن تركوه في بعض المواضع، وإما خلطوا به معنى آخر. ولنذكر هنا بعض أسباب الخفاء ليظهر عذرهم.
فالسبب الأول : أنه في بعض المواقع كان المقسم به في نفسه شريفاً، مثل القرآن والطور ومكة، أو الشمس والقمر والنجوم، أو العصر والليل والنهار، فلم يحتاجوا إلى جعل الإقسام به استدلالاً. وقد ظنوا أن القسم بالشريف العظيم عام شائع. فإذا وجدوا المقسم به ذا احتمالات أخذوا منها ما يشبه بالشرافة. وبهذا السبب منعوا عن التعريج إلى السمت الصحيح. وذهبوا من القسم في مذهب عام، كما أن الماء يجري إلى الخفض إن لم يصرفه صارف.