أو من كليهما.
فأما من جهة المقسم عليه، فمن حلف على أمور سخيفة أظهر عدم مبالاته بشرف نفسه. ولذلك جاء في القرآن صيغة المبالغة في شناعة الحلف حيث قال تعالى :(ولا تطع كل حلاف مهين). فدل على أن من حلف على كل أمر جل أو دق، فقد أهان نفسه، سواء حلف بالله أو بغيره. كالذي يغضب من غير سبب، أو يضحك من غير عجب. فهذا من جهة المقسم عليه.
وأما من جهة المقسم به، فإذا أقسم عبدٌ قسماً دينياً بغير الله تعالى، فكأنه اتخذه إلهاً. فالمنع عن القسم بغيره تعالى على العموم سد لأبواب الشرك، كالمنع عن السجدة لغيره تعالى، أو كالمنع عن نحت الأصنام، كما جاء في الأحكام العشرة، ولذلك جاء في سفر التثنية ص ٦ عدد ١٣ :(الرب إلهك تتقي، وإياه تعبد، وباسمه تحلف). وهكذا نهى النبي - ﷺ - عن القسم بغير الله تعالى.
وأما من جهة كليهما معاً، فذلك أن يقسم بالله تعالى على أمور سخيفة. وهذا جمع بين قلة المروءة، وقلة التقوى معاً. وإلى هذا يشير قوله تعالى:(ولا تجلعوا الله عرضة لأيمانكم).
فهذه هي الوجوه المحظورة في اليمين، فأما دون ذلك فلا ينهى عنه، لاسيما إذا دعت إليه دواعي المعاشرة، كما ذكرنا في الفصل السادس عشر.
وشريعتنا قد أنزلت للناس كافة فتراعي حاجات التمدن، وتميز بين دقائق الأحكام، وتنظر إلى ضعف فطرة الإنسان. كما قال تعالى :(يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) فلا ينبغي فيها النهي المطلق عن أمر هو المفزع عند جد الأمر وعزائم الأمور التمدنية والدينية، كما لا ينبغي فيها المؤاخذة على يمين لم يتعلق بها نية المتكلم، بل نطق بها على ما جرت به العادة في التحاور. فقال تعالى :(لا يؤاخذكم الله باللغو في إيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم).


الصفحة التالية
Icon