وذلك بأن الأعمال بالنيات. فيمين اللغو وإن كانت خلاف المروءة، لا يؤاخذ عليها، لأن الرب غفور لعباده، يرحمهم لضعفهم، فلا يؤاخذ عامتهم على كل صغيرة.
وهذا الذي ذكرنا يتعلق بالأيمان العامة، فأما أقسام القرآن، فلكون جلها استدلالاً لا مخاطرة فيها لشرف ولا دين، فلا تمسها معرة.
ثم إنها على التوحيد والمعاد والرسالة. وذلك أعظم الأمور جلالة فهو أجدر ما يقسم عليه. هل نفس أحد أشرف من أن يخاطر بها لهذه الشهادة؟ أم يخاف أحد على دينه لخوف الكذب فيها. إذا لا دين له.
أم هو يستحي من إشهاد الله تعالى على هذه الأمور ؟ ثم قد شهد به الله والملائكة والعالمون.
فالقسم عليه محمول على حقيقة معنى الشهادة التي تبلغها الأنبياء صراحة. فإن النبي في عموم تبليغه يقول إن الله تعالى أرسله بعلمه، ويشهد على صدقه، وهو يلوذ به، ويعتمد عليه، ويتخذه وكيلاً على ما يقول. وهذه المعاني هي التي تفهم من القسم بالله كما مر في الفصل العاشر. فأي حرج إن ذكرها بأسلوب القسم؟
ولا يخفى أن القسم إذا كان من الله بخلقه وكلماته فلا مظنة فيه للشرك، ولا معنى له إلا الشهادة الخالية عن معنى التعظيم.
وجملة الكلام أن الاعتراض على أقسام القرآن أو على أقسام الأنبياء والصلحاء الذين أظهروا بأقسامهم توكلهم على الله وفرارهم إليه واستعانتهم به، وكذلك النهي المطلق عن اليمين لم ينشأ إلا من قلة التدبر والتمييز بين الأمور.
هذا، وأما ما روي عن المسيح من نهيه عن الحلف مطلقاً، فلعلة خاصة. ونبينها فيما يتلو.
(١٣)
إيضاح ما تجد في الإنجيل
من النهي المطلق عن الحلف


الصفحة التالية
Icon