والثاني :... أن في هذه الخطبة أحكاماً لا تليق إلا بالمساكين والفقراء. فإنه عليه السلام كما نهى فيها عن الحلف، نهى عن الكثير والاهتمام للغد وحماية النفس عن الظلم، وبالغ في ذلك حتى قال:(من ضربك على خدك فاعرض له الآخر أيضاً. ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضاً. وكل من سألك فأعطه ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه).
والثالث: أن في هذه الوصايا حسب ظاهرها نسخاً للتوراة. والمسيح يتحاشى عنه. فقال على سبيل دفع دخل مقدر قبل ذكر الوصايا:(لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس(التوراة) أو الأنبياء، ما جئت لأنقض بل لأكمل). متى.
ثم دفع دخلاً مقدراً آخر، وهو أنه لا كمال في ترك الدنيا بأسرها، فبين لهم أن هذا كمال إضافي : وهو التطهر عن الذنوب بالفرار عن الامتحان. وكان ذلك سنته تعليماً للذين عجزوا عن كمال أكمل، فقال (ليس التلميذ أفضل من معلمه بل كل من صار كاملاً يكون مثل معلمه) لوقا.
والمبتدعون لم يرضوا بأن تكون سنته كمالاً إضافياً. فزادوا في رواية متى :(فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السموات كامل). وفي رواية لوقا عوض هذه الجملة:(فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضاً رحيم).


الصفحة التالية
Icon