هيهات هيهات! هل يساوي العبد ربه ؟ ولكن الحق غالب، ويبقى على رغم معانديه، ويطمس على عيونهم، فانظر إلى تصريحه بما ينفي شائبة الشرك، ويبين أن كماله كمالٌ إضافي مما يختص بالفقراء، كما جاء في متى : ص ١٩ عدد ١٦ (وإذا واحد تقدم وقال له : لماذا تدعوني صالحاً ؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله. ولكن إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا ١٨ فقال له : أية الوصايا ؟ فقال يسوع : لا تقتل. لا تزن. لاتسرق. لا تشهد بالزور. ١٩ أكرم أباك وأمك، وأحب قريبك كنفسك ٢٠ قال له الشاب : هذه كلها حفظتها منذ حداثتي فماذا يعوزني بعد؟ ٢١ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني ٢٢ فلما سمع الشاب الكلمة مضى حزيناً لأنه كان ذا أموال كثيرة ٢٣ فقال يسوع لتلاميذه : الحق أقول لكم إنه يعسر أن يدخل غني إلى ملكوت السماوات ٢٤ وأقول لكم أيضاً إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله).
فبين للسائل أن كماله في اتباعه والتجرد عن أسباب التمدن، والظاهر أن هذا ليس بكمال الكاملين. ألا ترى أن إبراهيم وداود وسليمان ويوسف عليهم السلام كانوا ذوي الثروة والكمال في الدين معاً؟ هل يقال إنهم لم يدخلوا ملكوت الله؟ فبما قلنا تزول شبهة نقض الناموس، وترفع المخالفة بين التوراة والإنجيل.
والرابع: أن هذه الوصايا إن أريد بها العموم والإطلاق تكون مخالفة لسنة أئمة الهدى كإبراهيم وداود وغيرهما. فإنهم قاتلوا، وانتصروا، وجمعوا الوفر، وأنفقوه في المواقع المحمودة، ولم يكونوا عيالاً على الناس.
ولدفع هذا الاعتراض زادوا في رواية متى ما يحرف الكلام عن معناه. فقال :(طوبى للمساكين بالروح)، وكذلك طوبى للجياع وللعطاش إلى البر لأنهم يشبعون).


الصفحة التالية
Icon