ووُجد من أرباب العلوم -خاصة المعاصرين- من يحاول أن يحمِّل القرآن وألفاظه ما لا يحتمل من الدلالة على أنواع العلوم العصرية، كما فعل طنطاوي جوهري في تفسيره المسمّى "بالجواهر"(١)، والذي فيه كل شيء إلا التفسير، فهو كتاب في الفلك، والعلوم المادية، والأحياء، والفيزياء، والجيولوجيا، لكن ليس فيه شيء من تفسير القرآن الكريم.
وكما يفعل بعض الذين يتحدَّثون عمّا يُسمى "الإعجاز العلمي للقرآن"، فإن منهم من يغلو فيحمِّل ألفاظ القرآن الكريم ومعانيه ما لا تحتمل؛ لتوافق بعض مكتشفات ومخترعات العلم؛ بل بعض النظريات العلمية التي لم تصل بعد إلى حد أن تكون حقيقة قطعية ثابتة.
* * *
الفصل الثالث
البلاغ النبوي للقرآن الكريم
إن هذا الخلاف في تفسير القرآن الكريم، يوجب على المسلم الحريص على معرفة كلام الله عز وجل أن يعود إلى المصدر الأول والمنبع الصافي، ألا وهو سنة الرسول عليه الصلاة والسلام الصحيحة الثابتة، فهي خير ما يفسِّر كتاب الله تعالى؛ لأن الرسول ﷺ أُمِرَ بالبلاغ، قال تعالى: (إِن عَلَيكَ إِلاَّ البَلاغُ) [الشورى: ٤٨]، وقال: (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَينَا جَمعَهُ وَقُرآنَهُ. فَإِذَا قَرَأنَاهُ فَاتَّبِع قُرآنَهُ. ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ) [الإنسان: ١٦]، وقال: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغ مَا أُنزِلَ إِلَيكَ مِن رَبِّكَ وَإِن لَم تَفعَل فَمَا بَلَّغتَ رِسَالَتَهُ) [المائدة: ٦٧].