ولو كان الرسول ﷺ كتم شيئًا مما أُنزل عليه، لكتم هذه الآية: (وَإِذ تَقُولُ لِلَّذِي أَنعَمَ الله عَلَيهِ وَأَنعَمتَ عَلَيهِ أَمسِك عَلَيكَ زَوجَكَ وَاتَّقِ الله وَتُخفِي فِي نَفسِكَ مَا الله مُبدِيهِ وَتَخشَى النَّاسَ وَالله أَحَقُّ أَن تَخشَاهُ) [الأحزاب: ٣٧]، فهذه الآية فيها عتاب شديد للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم يقوم الرسول ﷺ فيقرؤها على الناس في الصلاة وفي غيرها وهو المخاطب بها!!
أو يكتم هذه الآيات: (عَبَسَ وَتَولَّى. أَن جَاءَهُ الأعمَى. وَمَا يُدرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَو يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكرَى. أَمَّا مَنِ استَغنَى. فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيكَ أَلاَّ يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَن جَاءَكَ يَسعَى. وَهُوَ يَخشَى. فَأَنتَ عَنهُ تَلَهَّى) [عبس: ١-١٠]، ففيها عتاب شديد للرسول صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك يتلو هذه الآيات على الناس كما نزلت عليه!!
إن الله تعالى اختار محمدًا ﷺ على علم على العالمين، قال تعالى: (الله أَعلَمُ حَيثُ يَجعَلُ رِسَالَتَهُ) [الأنعام: ١٢٤]، اختار رجلاً يعلم أنه لن يكتم شيئًا مما يوحى إليه، فحتى الآيات التي عاتبه ولامه الله فيها على بعض ما صدر منه صلى الله عليه وسلم، ينقلها للناس كما ينقل الآيات التي مُدح فيها!.
فيقرأ على الناس قول الله جل وعلا له صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم: ٤]، ويقرأ عليهم قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَينَهُم تَرَاهُم رُكَّعًا سُجَّدًا يَبتَغُونَ فَضلاً مِنَ الله وَرِضوَانًا) [الفتح: ٢٩]، كما يقرأ الآيات التي فيها اللوم والعتاب، سواء بسواء.


الصفحة التالية
Icon