إذًا يجزم كل موحِّد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؛ بأن النبي ﷺ قد بلَّغ القرآن الكريم بألفاظه بلاغًا تامًّا لا ريب فيه.
ثانيًا: بلاغ المعاني:
كان النبي ﷺ شديد الحرص على البلاغ اللفظي للقرآن الكريم، لكنه - ﷺ - لم يكتف ببلاغ ألفاظه ولكن بلغهم معانيه أيضاً.
إن تبليغه ﷺ لمعاني كتاب الله تعالى هي بنص كتاب الله تعالى جزء من مهمته في البلاغ، فمن مهمة الرسول ﷺ ومسئوليته أن يبلِّغ الناس ألفاظ القرآن ومعانيه.
فبعد أن قال تعالى: (لا تُحَرِّك بِهِ لِسَانَكَ لِتَعجَلَ بِهِ. إِنَّ عَلَينَا جَمعَهُ وَقُرآنَهُ) [القيامة: ١٦، ١٧]، وهذا هو البلاغ اللفظي كما سبق، قال سبحانه: (ثُمَّ إِنَّ عَلَينَا بَيَانَهُ) [القيامة: ١٩]، أي: علينا أن نبين لك لفظه ومعناه.
وبعد أن قال تعالى: (رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ) [آل عمران: ١٦٤]، قال: (وَيُزَكِّيهِم)، والتزكية تعني أن الرسول ﷺ يربي أصحابه على القرآن الكريم، بحيث يتحوَّل القرآن من مجرد كتاب مكتوب ومقروء إلى واقع حياة عملية، تتحقق على ظهر الأرض.
حتى قال بعضهم: "إن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، كان الواحد منهم كأنه قرآن يمشي على الأرض"، وهذا التعبير ليس بعيدًا، فإن عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلق الرسول صلى الله عليه وسلم، قالت للسائل -كما في مسلم وغيره-: "أتقرأ القرآن؟"، قال: "نعم"، قالت: "فإن خلق نبي الله ﷺ كان القرآن"(١).
فهذا معنى قوله تعالى: (وَيُزَكِّيهِم) أي: يربيهم ويزكيهم بالعقائد الصحيحة، والأخلاق الفاضلة، والسلوك الحسن، ويعدُّهم للدور العالمي الذي ينتظرهم لقيادة البشرية.

(١) ٣٦)... أخرجه مسلم (٧٤٦) عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.


الصفحة التالية
Icon