ثم قال تعالى: (وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ)، فما الكتاب؟ وما الحكمة؟
قال الشافعي: "قال تعالى: (وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ الله وَالحِكمَةِ إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا) [الأحزاب: ٣٤]، فذكر الله الكتاب وهو القرآن، وذكر الحكمة، فسمعت من أرضى من أهل العلم بالقرآن يقول: الحكمة سنة رسول الله"(١).
إذن إذا تأملنا قول الله تعالى: (رَسُولاً مِن أَنفُسِهِم يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ) [آل عمران: ١٦٤]، فإننا نلاحظ أنه في أول الآية قال: (يَتلُو عَلَيهِم آيَاتِهِ)، أي: يقرأ عليهم القرآن ويتلو عليهم ألفاظه، وهو البيان اللفظي للقرآن، فإذا ضبطوا القرآن وحفظوه وأتقنوه، انتقل إلى مرحلة أخرى، وهي: (وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ)، يعني: يفقههم في معاني القرآن، ويعلمهم معاني ما حفظوه وضبطوه، ثم ينتقل إلى مرحلة ثالثة، وهي: (وَيُزَكِّيهِم)، أي: يؤدِّبهم بهذا الكتاب حتى يعملوا به وهي التزكية.
ولذلك قال أبو عبد الرحمن الجهني(٢): حدَّثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله ﷺ عشر آيات، فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل(٣).

(١) ٣٧)... الرسالة للشافعي ص٧٧، ٧٨.
(٢) ٣٨)... زيد بن خالد الجهني، اختلف في كنيته وفي وقت وفاته اختلافًا كثيرًا، فقيل: أبا عبد الرحمن، وقيل: أبا طلحة، وقيل: أبا زرعة، كان صاحب لواء جهينة يوم الفتح، توفي بالمدينة سنة (٦٨)هـ، وقيل: بل مات بمصر سنة (٥٠)هـ، وقيل: توفي بالكوفة في آخر خلافة معاوية، وقيل: توفي سنة (٧٨)هـ، وقيل: سنة (٧٢)هـ. انظر: الاستيعاب (٢/٥٤٩).
(٣) ٣٩)... أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٢٩٩٢٩).


الصفحة التالية
Icon