فمهمة الرسول ﷺ البلاغ اللفظي والمعنوي، وقد قام بمهمة البلاغ بشقيها خير قيام، عليه الصلاة والسلام.
* * *
الفصل الرابع
تفسير الصحابة للقرآن الكريم
إن أصحاب النبي ﷺ كانوا عربًا، يعرفون بالسليقة معاني الكلام العربي، فبمجرد سماعهم الكلام العربي يفقهونه؛ ولذلك كان الكفار في مكة يعرفون عموم معاني الكلام العربي والقرآن، والله عز وجل يقول عن القرآن: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ. عَلَى قَلبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المُنذِرِينَ. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء: ١٩٣-١٩٥]، وقال تعالى: (وَمَا أَرسَلنَا مِن رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَومِهِ) [إبراهيم: ٤]، ومن هنا فإن العرب -حتى الكفار منهم- فهموا القرآن من حيث الجملة؛ ولذلك ردوه حيث خالف أهواءهم.
وكانوا أيضًا يفهمون معنى: "لا إله إلا الله"، فلمَّا سمعوا قوله صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس، قولوا لا إله إلا الله"(١)، عرفوا أن معناها: لا عبودية إلا لله، فلا معبود بحق إلا الله، ولا أحد يستحق العبادة إلا الله؛ ولذلك رفضوها، وقالوا: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيءٌ عُجَابٌ) [ص: ٥].
إن الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله قارن بين مسلمي هذا الزمان ومشركي الأولين، فقال: إن الأولين كانوا أعلم بمعنى "لا إله إلا الله" ممن ينسبون إلى الإسلام في هذا الزمان.
وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٦٥٦٥)، وابن حبان (١٤/٥١٨)، وابن خزيمة (١٥٩)، والضياء في المختارة (١٤٣)، وغيرهم، من حديث طارق بن عبد الله المحاربي رضي الله عنه.