ولعل هذه أعظم نعمة يفيض الله تعالى خيرها على البشر أجمعين، أن يكون بين أيديهم كتاب محفوظ، يحكِّمونه في حياتهم، ويحتكمون إليه فيما يقع بينهم من اختلاف، وذلك بعد أن حُرِّفت الكتب السماوية كالتوراة والإنجيل وغيرها، وضاع أكثرها، ولعبت بها أيدي التغيير والتبديل، قال تعالى: (فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِن عِندِ الله لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيلٌ لَهُم مِمَّا كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لَهُم مِمَّا يَكسِبُونَ) [البقرة: ٧٩].
ولذلك كان علم التفسير من أعظم العلوم على الإطلاق؛ إذ هو الطريق إلى فهم معاني القرآن الكريم ومراد الله سبحانه وتعالى من خلقه، ومن هنا اعتنى العلماء -سلفًا وخلفًا- بهذا العلم اهتمامًا عظيمًا، وصنَّفوا فيه الكثير من المصنفات.
وقد بدأت مسيرة تفسير كتاب الله تعالى في عهد النبوة؛ حيث يعتبر النبي ﷺ المرجع الأول في تفسير كتاب الله تعالى، فقد فسّر آيات الكتاب العزيز بقوله وعمله صلى الله عليه وسلم.
وسوف نتناول في هذه الرسالة موضوع: التفسير النبوي للقرآن الكريم، وذلك من خلال الفصول الآتية:
. الفصل الأول: خصائص القرآن الكريم.
. الفصل الثاني: عناية الأمة بتفسير القرآن الكريم.
. الفصل الثالث: البلاغ النبوي للقرآن الكريم.
. الفصل الرابع: تفسير الصحابة للقرآن الكريم.
. الفصل الخامس: أنواع بيان السنة للقرآن الكريم.
الفصل الأول
خصائص القرآن الكريم
إن القرآن الكريم كلام الله تعالى، وهذه أعظم مزايا وخصائص القرآن الكريم، فحسبه أنه كلام الله.
وقد وصفه الله عز وجل بقوله: (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ تَنزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: ٤١، ٤٢].