وفي الصحيحين أن عليًّا رضي الله عنه سئل: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ فقال: " والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة" -إشارة إلى صحيفة معلَّقة في سيفه-، فقال السائل:"وما في هذه الصحيفة؟"، قال: "العقل -يعني الديات-، وفكاك الأسير، وألا يُقتل مسلم بكافر"(١).
والشاهد قوله: "إلا فهمًا يعطيه الله رجلاً في القرآن"، إذًا قد يُؤتى أحد الصحابة -أو غيرهم- من الفهم ما لم يؤته غيره.
وفي الصحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما وضع للنبي ﷺ طهوره، فقال: "من وضع هذا؟" قالوا: "ابن عباس"، وكان شابًّا دون الحُلُم في ذلك الوقت، فأُعجب النبي ﷺ بعمله وذكائه وأدبه، فدعا له قائلاً: "اللهم فقِّههُ في الدين، وعلمه التأويل"(٢)، فكان ابن عباس رضي الله عنهما لا يشق له غبار في فهمه لكتاب الله تعالى، وله في ذلك قصص وأخبار، لعل من أعجبها وأطرفها قصته مع نافع بن الأزرق الخارجي.
وذلك أنه سأل ابن عباس عن أشياء كثيرة في كتاب الله عز وجل، وكلَّما أجابه قال: هل تعرف ذلك العرب في كلامها؟ فيقول: نعم، ثم يستشهد ابن عباس بأبيات من أبيات العرب، وهي من محفوظه، وهي عجب من العجب(٣).
ولتفاوتهم في مداركهم تجد الاختلاف بينهم، فقد اختلف الصحابة في معاني آيات كثيرة، وفهم بعضهم من معاني الآيات خلاف ما تدل عليه، كما ستأتي الإشارة إلى ذلك.
ثانيًا: اختلافهم في فهم اللغة العربية:
فإنهم وإن كانوا عربًا إلا أنهم متفاوتون في التوسع في فهم اللغة العربية، وألفاظها، ومعانيها.

(١) ٤١)... أخرجه البخاري (٣٠٤٧)، ومسلم (١٣٧٠)، من حديث أبي جحيفة السوائي رضي الله عنه.
(٢) ٤٢)... تقدّم تخريجه.
(٣) ٤٣)... انظر: الإتقان (١/٣٤٧-٣٧٧).


الصفحة التالية
Icon