-الخيط الأبيض هو النهار والخيط الأسود هو الليل-، فإذا بان لك النهار -يعني طلع الصبح- فأمسِك.
فهذا من اختلافهم في فهم مراد الله تعالى؛ لأن اللغة العربية تحتمل أن يكون الخيط هو الحبل، ويحتمل أن يكون المقصود هو الليل والنهار، فعديٌّ فهم الأول، فبيَّن له الرسول عليه الصلاة والسلام أن المراد هو المعنى الثاني، ولا شك أن بقية الصحابة لم يفهموا هذا المعنى الذي فهمه عدي؛ ولذلك لم يقعوا في الأمر الذي وقع فيه.
ثالثًا: اختلافهم في معرفة التواريخ والأحداث والأخبار والعلوم الأخرى التي يستفاد منها في فهم القرآن الكريم:
وفي صحيح مسلم عن المغيرة بن شعبة: أن النبي ﷺ بعثه إلى نصارى نجران يدعوهم إلى الإسلام ويعلِّمهم، فكان من ضمن ما قرأ عليهم المغيرة بن شعبة سورة مريم: (يَا أُختَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امرَأَ سَوءٍ وَمَا كَانَت أُمُّكِ بَغِيًّا) [مريم: ٢٨]، فقال النصارى: "يا مغيرة، كيف يقول: يا أخت هارون، ومريم بينها وبين هارون قرون متطاولة؟!".
فتحيَّر المغيرة رضي الله عنه ولم يستطع أن يجيبهم، فجاء للنبي ﷺ وسأله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا يسمّون بأنبيائهم والصالحين قبلهم"(١)، فحلَّ له الإشكال، وبيَّن له أن هارون المذكور في الآية ليس هارون أخا موسى؛ بل هارون آخر سموه عليه؛ لأنهم كانوا يسمون بأسماء الأنبياء؛ ولذلك يكثر مثلاً في اليهود اسم موسى وهارون.
ولا شك أن المغيرة لو كان يعلم هذا لما سأل النبي ﷺ عنه، لكن لمَّا سأله النصارى وقع عنده الإشكال، فسأل عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فأجابه.
* * *
الفصل الخامس
أنواع بيان السنة للقرآن الكريم
إن الرسول ﷺ قد بَيّن في سنته كل ما يحتاج إلى بيانه من القرآن، وهل بيَّنه كله أو بعضه؟

(١) ٤٨)... أخرجه مسلم (٢١٣٥) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon