فقد يكون الرسول ﷺ استنبط ذلك من قوله تعالى: (إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَكنُونٍ. لا يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ. تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ) [الواقعة: ٧٧-٨٠]، فقوله: (إِنَّهُ لَقُرآنٌ كَرِيمٌ) كل ما بعده وصف له، فهو (فِي كِتَابٍ مَكنُونٍ)، وهو (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ)، وهو (تَنزِيلٌ مِن رَبِّ العَالَمِينَ)؛ ولذلك استدل أهل العلم على تحريم مس المصحف لغير المتوضئ بهذه الآية.
الثالث: بيان أسباب نزول القرآن الكريم:
ولا شك أن من يعلم سبب نزول القرآن يكون أقدر على فهم الآيات، وربطها بسبب النزول، ومعرفة على أي وجه أُنزلت، وأضرب على ذلك بعض الأمثلة:
أ- ما رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن الزهري عن عروة بن الزبير أنه قال: "سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت لها: أرأيت قول الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ الله فَمَن حَجَّ البَيتَ أَوِ اعتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة: ١٥٨]، فوالله ما على أحد جناح أن لا يطُوف بالصفا والمروة، قالت: بئس ما قلت يا ابن أختي، إن هذه لو كانت كما أوَّلتها عليه، كانت: لا جناح عليه أن لا يتطوف بهما، ولكنها أُنزلت في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلُّون لمناة الطاغية، التي كانوا يعبدونها عند المُشَلَّل، فكان من أهلَّ يتحرج أن يطوف بالصفا والمروة، فلما أسلموا سألوا رسول الله ﷺ عن ذلك، قالوا: يا رسول الله، إنا كنا نتحرج أن نطوف بين الصفا والمروة، فأنزل الله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ الله) الآية.
قالت عائشة رضي الله عنها: وقد سنَّ رسول الله ﷺ الطواف بينهما، فليس لأحد أن يترك الطواف بينهما.


الصفحة التالية
Icon