هذه الآية يستدل بها أهل السنة والجماعة على إثبات القدر، وأن كل شيء بقدر، أي بقضاء من عند الله تعالى، وقد رأيت بعض من ينكر ذلك، يقول: إن معنى الآية خلقناه بقدر، يعني مقدرًا مفصلاً مناسبًا لأوانه وزمانه، ولا مانع بأن يكون هذا جزءًا من معنى الآية، لكن أيضًا بقدر يعني: مكتوب عند الله تعالى.
والذي يفصل في هذا ويبيِّن المعنى الصحيح للقدر، ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: "جاء مشركو قريش يخاصمون رسول الله ﷺ في القدر، فنزلت: (يَومَ يُسحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِم ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ. إِنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقنَاهُ بِقَدَرٍ)"(١).
الرابع: بيان القرآن بالفعل:
قال بعض الأئمة المهتدين في هذا العصر -لمَّا سئل عن تفسير القرآن-: أعظم كتاب يُفهم منه تفسير القرآن هو سيرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن سيرة النبي ﷺ عبارة عن ترجمة عملية للقرآن الكريم، بأقواله، وأفعاله، وتقريراته عليه الصلاة والسلام.
ولذلك لما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم، قالت: "فإن خلق نبي الله ﷺ كان القرآن"(٢) ويقول جابر أيضًا في حديثه الطويل في سياق حجة النبي صلى الله عليه وسلم-: "ورسولُ الله ﷺ بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به"(٣)، يعني في الحج وغير الحج.
ومن أمثلة أعمال الرسول ﷺ التي هي تفسير للقرآن:
(٢) ٧٢)... تقدم تخريجه.
(٣) ٧٣)... أخرجه البخاري (١٦٥١)، ومسلم (١٢١٨)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.