وَحَلَفَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِزَّتِهِ وَجَلَالِهِ (١) أَلَّا يُسَمَّى اسْمُهُ عَلَى شَيْءٍ إِلَّا بَارَكَ فِيهِ (٢).
[وَقَالَ وَكِيعٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنَ الزَّبَانِيَةِ التِّسْعَةَ عَشَرَ فَلْيَقْرَأْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لِيَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا جُنَّةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ، ذَكَرَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَالْقُرْطُبِيُّ (٣) وَوَجَّهَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ وَنَصَرَهُ بِحَدِيثِ: "فَقَدْ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا" (٤) لِقَوْلِ الرَّجُلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا بِضْعَةٌ وَثَلَاثُونَ حَرْفًا وَغَيْرُ ذَلِكَ] (٥).
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَاصِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا تَمِيمَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ رَدِيفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عَثَرَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: تَعِس الشَّيْطَانُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا تَقُلْ تَعِسَ الشَّيْطَانُ. فَإِنَّكَ إِذَا قُلْتَ: تَعِسَ الشَّيْطَانُ تَعَاظَمَ، وَقَالَ: بِقُوَّتِي صَرَعْتُهُ، وَإِذَا قُلْتَ: بِاسْمِ اللَّهِ، تَصَاغَرَ حَتَّى يَصِيرَ مِثْلَ الذُّبَابِ".
هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (٦) وَقَدْ رَوَى (٧) النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَابْنُ مَرْدُويه فِي تَفْسِيرِهِ، مِنْ حَدِيثِ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي تَمِيمَةَ هُوَ الْهُجَيْمِيُّ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ رَدِيفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَهُ وَقَالَ: "لَا تَقُلْ هَكَذَا، فَإِنَّهُ يَتَعَاظَمُ حَتَّى يَكُونَ كَالْبَيْتِ، وَلَكِنْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يَصْغُرُ حَتَّى يَكُونَ كَالذُّبَابَةِ" (٨). فَهَذَا مِنْ تَأْثِيرِ بَرَكَةِ بِسْمِ اللَّهِ؛ وَلِهَذَا تُسْتَحَبُّ فِي أوّل كل عمل وَقَوْلٍ. فَتُسْتَحَبُّ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ لِمَا جَاءَ: "كُلُّ أَمْرٍ (٩) لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَهُوَ أَجْذَمُ" (١٠)، [وَتُسْتَحَبُّ الْبَسْمَلَةُ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَلِمَا وَرَدَ مِنَ الْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ (١١) ] (١٢)، وَتُسْتَحَبُّ فِي أَوَّلِ الْوُضُوءِ لِمَا جَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالسُّنَنِ، مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ مرفوعًا: "لا وضوء لمن لم

(١) في جـ: "وبجلاله".
(٢) وعزاه السيوطي في الدر المنثور (١/٢٦) للثعلبي في تفسيره.
(٣) المحرر الوجيز لابن عطية (١/٥٤).
(٤) الحديث رواه البخاري في صحيحه برقم (٧٩٩) من حديث رفاعة بن رافع رضي الله عنه.
(٥) زيادة من ط، ب، أ، و.
(٦) المسند (٥/٥٩).
(٧) في جـ، ط، ب،: "رواه".
(٨) سنن النسائي الكبرى برقم (١٠٣٨٩) ورواه من طريق ابن المبارك عن خالد الحذاء، عن أبي تميمة، عن أبي المليح، عن ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال النسائي: "وهو الصواب".
(٩) في و.: "خطبة".
(١٠) رواه بهذا اللفظ الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (٢/١٢٨) من طريق مبشر بن إسماعيل، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، وللشيخ أحمد الغماري رسالة سماها: "الاستعاذة والحسبلة ممن صحح حديث البسملة" بيَّن فيها ضعف هذا الحديث، بعد أن جمع طرقه، وهي رسالة قيمة فلتراجع.
(١١) جاء من حديث علي، وأنس، رضي الله عنهما، أما حديث علي، فقد رواه الترمذي في السنن برقم (٦٠٦) من طريق خلاد الصفار عن الحكم، عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة، عن علي، رضي الله عنه، مرفوعا بلفظ: "ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله". وأما حديث أنس، فيرويه العمري عن عبد العزيز بن المختار بن صهيب عن أنس مرفوعا بلفظ: "إذا دخلتم الخلاء فقولوا:: بسم الله، أعوذ بالله من الخبث والخبائث" والحديث في الصحيحين من دون هذه الزيادة.
(١٢) زيادة من جـ، ط، أ، و.


الصفحة التالية
Icon