الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي طَلْحَةَ: "الْتَمِسْ لِي غُلَامًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدِمُنِي" فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلْحَةَ يَرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدِمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ. وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: ثُمَّ أقْبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحد قَالَ: "هَذَا جَبَلٌ يُحبُّنا وَنُحِبُّهُ". فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ:"اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ جَبَلَيْهَا، مِثْلَمَا حَرَّمَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهم وَصَاعِهِمْ". وَفِي لَفْظٍ لَهُمَا: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي مِكْيَالِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي صَاعِهِمْ، وَبَارِكْ لَهُمْ فِي مُدِّهِمْ". زَادَ الْبُخَارِيُّ: يَعْنِي: أَهْلَ الْمَدِينَةِ (١).
وَلَهُمَا أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَي مَا جَعَلْتَهُ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ" (٢) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم: " إن إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لَهَا، وحَرَّمتُ (٣) الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَدَعَوْتُ (٤) لَهَا فِي مُدِّهَا وَصَاعِهَا (٥) مِثْلَ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِمَكَّةَ"
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ (٦)، وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ: أَنَّ رسول الله ﷺ قال: "إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلَهَا. وَإِنِّي حرَّمتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ لَهَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلِ مَا دَعَا إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ" (٧).
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اللَّهُمَّ إنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّم مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَامًا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا، لَا يَهْرَاقُ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلُ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا يُخْبَطُ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلَفٍ. اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بِرْكَتَيْنِ". الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٨).
وَالْأَحَادِيثُ فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا مِنْهَا مَا هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِمَكَّةَ، لِمَا فِي ذَلِكَ فِي مُطَابَقَةِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ.
[وتَمسَّك بِهَا مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ تَحْرِيمَ مَكَّةَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ مُنْذُ خُلِقَتْ مَعَ الْأَرْضِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَقْوَى] (٩).
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ أخَرُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ مكة قبل خلق السموات والأرض، كما

(١) صحيح مسلم برقم (١٣٦١).
(٢) صحيح البخاري برقم (١٨٨٥) وصحيح مسلم برقم (١٣٦٩).
(٣) في جـ، ط: "وإني حرمت".
(٤) في جـ، ط: "وإني دعوت".
(٥) في جـ، ط: "صاعها ومدها".
(٦) صحيح البخاري برقم (٢١٢٩).
(٧) صحيح مسلم برقم (١٣٦٠).
(٨) صحيح مسلم برقم (١٣٧٤).
(٩) زيادة من جـ، ط، أ.


الصفحة التالية
Icon