جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ: "إِنَّ هَذَا الْبَلَدَ حَرَّمه اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنَّهُ لَمْ يحِل الْقِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا ساعة من نهار، فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لَا يُعْضَد شَوْكُهُ وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا تُلْتَقَط لُقَطَتُه إِلَّا مَنْ عرَّفها، وَلَا يُخْتَلَى خَلاهَا" فَقَالَ الْعَبَّاسُ: يَا رسول الله، إلا الإذْخَر فإنه لقَينهم ولبيوتهم. فَقَالَ: "إِلَّا الْإِذْخِرَ" وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ (١).
وَلَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ (٢).
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ (٣) أَبَانُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ: سَمِعَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ (٤).
وَهَذَا الذِي عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَير، عَنْ يُونُسَ بْنِ بُكَيْر، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمِ بْنِ يَنَّاق، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَامَ الْفَتْحِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إن الله حرم مكة يوم خلق السموات وَالْأَرْضَ، فَهِيَ حَرَام إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُعْضَد شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّر صيدُها، وَلَا يَأْخُذُ لُقَطَتَها إِلَّا مُنْشِد" فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إِلَّا الْإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِلْبُيُوتِ وَالْقُبُورِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِلَّا الإذْخَر" (٥).
وَعَنْ أَبِي شُرَيح العدوي أنَّه قال لعَمْرو بن سعيد -وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ -: ائْذَنْ لِي -أَيُّهَا الْأَمِيرُ -أَنْ أحدثَك قَوْلًا قَامَ بِهِ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغَد مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَته أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّم بِهِ، إِنَّهُ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حرمها الله ولم يحرمها الناس، فلا يحل لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بها دما، ولا يعضد بها شجرة، فإن أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، فَلْيُبَلِّغِ الشاهد الغائب". فقيل لأبي شُرَيح: ما قال لك عمرو؟ قال: أنا أعلم بذلك منك يَا أَبَا شُرَيْحٍ، إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بخَرَبَة.
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ، وَهَذَا لَفْظُهُ (٦).
فَإِذَا عُلِمَ هَذَا فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ اللَّهَ حَرَّم مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ السموات
(٢) صحيح البخاري برقم (١١٢، ٦٨٨٠) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٥).
(٣) في جـ، ط: "وقال".
(٤) صحيح البخاري برقم (١٣٤٩).
(٥) سنن ابن ماجة برقم (٣١٠٩).
(٦) صحيح البخاري برقم (١٨٣٢) وصحيح مسلم برقم (١٣٥٤).