ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ:
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَا حَدَّثَنَا مَعمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ ابْنُ جَعْفَرٍ فِي حَدِيثِهِ: أَنْبَأَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ أَبِيهِ: أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمة الثَّقَفِيَّ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشَرَةُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. فَلَمَّا كَانَ فِي عَهْدِ عُمَرَ طَلَّقَ نِسَاءَهُ، وَقَسَّمَ مَالَهُ بَيْنَ بَنِيهِ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: إِنِّي لَأَظُنُّ الشَّيْطَانَ فِيمَا يَسْتَرِقُ مِنَ السَّمْعِ سَمِعَ بِمَوْتِكَ فَقَذَفَهُ فِي نَفْسِكَ (١) وَلَعَلَّكَ لَا تَمْكُثُ إِلَّا قَلِيلًا. وَايْمُ اللَّهِ لتراجعنَّ نِسَاءَكَ وَلَتَرْجِعَنَّ فِي مَالِكَ أَوْ لأورثُهن مِنْكَ، وَلَآمُرَنَّ بِقَبْرِكَ فَيُرْجَمُ، كَمَا رُجِمَ قبرُ أَبِي رِغَال (٢).
وَهَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ اسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّة وغُنْدَر وَيَزِيدَ بْنِ زُرَيع وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبة، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَعِيسَى بْنِ يُونُسَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيِّ، وَالْفَضْلِ بْنِ مُوسَى وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْحُفَّاظِ، عَنْ مَعْمَر -بِإِسْنَادِهِ -مِثْلَهُ إِلَى قَوْلِهِ: اخْتَرْ (٣) مِنْهُنَّ أَرْبَعًا. وَبَاقِي (٤) الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ عُمَرَ مِنْ أَفْرَادِ أَحْمَدَ (٥) وَهِيَ زِيَادَةٌ حَسَنَةٌ وَهِيَ مُضَعِّفَةٌ لِمَا عَلَّلَ بِهِ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ، حَيْثُ قَالَ بَعْدَ رِوَايَتِهِ لَهُ: سمعتُ الْبُخَارِيَّ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى شُعَيْب وَغَيْرُهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حُدّثتُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيد الثَّقَفِيِّ أَنَّ غَيْلَانَ بْنَ سَلَمَةَ، فَذَكَرَهُ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَإِنَّمَا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ طَلَّقَ نِسَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لتراجعَنَّ نِسَاءَكَ أَوْ لَأَرْجُمَنَّ قَبْرَكَ كَمَا رُجِمَ قَبْرُ أَبِي رغَال.
وَهَذَا التَّعْلِيلُ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ مَعمر، عن الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا (٦) وَهَكَذَا (٧) رَوَاهُ مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا. قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: وَهُوَ أَصَحُّ (٨).
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَرَوَاهُ عُقَيْلٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: بَلَغَنَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ.
قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: وَهَذَا وَهْم، إِنَّمَا هُوَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي سُوَيْدٍ بَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم،
(٢) قبر أبي رغال في الطائف، وقد روى ابن إسحاق أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خرج إلى الطائف مر بقبر أبي رغال فقال: إن هَذَا قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ وَهُوَ أَبُو ثَقِيفٍ وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عَنْهُ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْهُ أَصَابَتْهُ النِّقْمَةُ الَّتِي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه، وقيل: إن أبا رغال كان دليل أبرهة في طريقه لهدم الكعبة.
قال الحافظ ابن كثير: والجمع بينهما أن أبا رغال المتأخر وافق اسمه اسم جده الأعلى ورجمه الناس كما رجموا قبر الأول أيضا. وقد قال جرير:
إذا مات الفرزدق فارجموه | كرجمكم بقبر أبي رغال |
(٣) في جـ: "واختر".
(٤) في أ: "ويأتي".
(٥) المسند (٢/١٤) والشافعي في الأم (٥/٤٩) وسنن الترمذي برقم (١١٢٨) وسنن ابن ماجة برقم (١٩٥٣) وسنن الدارقطني (٣/٢٧١) وسنن البيهقي الكبرى (٧/١٨٢)، وقد توسع الحافظ ابن حجر في التلخيص (٣/١٦٨) والشيخ ناصر الألباني (٦/٢٩٢) وحكم عليه بالصحة.
(٦) المصنف لعبد الرزاق (١٢٦٢١).
(٧) في أ: "وقد".
(٨) رواه ابن أبي حاتم في العلل (١/٤٠٠) حدثني أبو زرعة عن عبد العزيز الأويسي عن مالك عن الزهري به مرسلا.