وَقَوْلُهُ: ﴿أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ﴾ الْغَائِطُ: هُوَ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ مِنَ الْأَرْضِ، كَنَّى بِذَلِكَ عَنِ التَّغَوُّطِ، وَهُوَ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: ﴿أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ فَقُرِئَ: "لَمَسْتم" وَ"لَامَسْتُمْ" وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ وَالْأَئِمَّةُ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: "أَنَّ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنِ الْجِمَاعِ؛ لِقَوْلِهِ ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: ٢٣٧] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا﴾ [الْأَحْزَابِ: ٤٩].
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ، حَدَّثَنَا وَكِيع، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ قَالَ: الْجِمَاعُ. ورُوي عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَطَاوُسٍ، وَالْحَسَنِ، وعُبَيد بْنِ عُمَيْرٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والشَّعْبي، وَقَتَادَةَ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حيَّان -نحوُ ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي حُمَيد بْنُ مَسْعَدةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، حَدَّثَنَا شُعبة، عَنْ أَبِي بِشْر، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: ذَكَرُوا اللَّمْسَ، فَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْمَوَالِي: لَيْسَ بِالْجِمَاعِ. وَقَالَ نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ: اللَّمْسُ الْجِمَاعُ: قَالَ: فَأَتَيْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ لَهُ: إِنْ نَاسًا مِنَ الْمَوَالِي وَالْعَرَبِ اخْتَلَفُوا فِي اللَّمْسِ، فَقَالَتِ الْمَوَالِي. لَيْسَ بِالْجِمَاعِ. وَقَالْتِ الْعَرَبُ: الْجِمَاعُ. قَالَ: مِنْ أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كُنْتَ؟ قُلْتُ: كُنْتُ مِنَ الْمَوَالِي. قَالَ: غُلب فريقُ الْمُوَالِي. إِنَّ اللَّمْسَ وَالْمَسَّ وَالْمُبَاشَرَةَ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي مَا شَاءَ بِمَا شَاءَ.
ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ ابْنِ بشَّار، عَنْ غُنْدَر، عَنْ شُعْبَةَ -بِهِ نَحْوَهُ. ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، نَحْوَهُ.
وَمَثَلَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، أَخْبَرَنَا (١) سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: اللَّمْسُ وَالْمَسُّ وَالْمُبَاشَرَةُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُكَنِّي بِمَا يَشَاءُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَيَانٍ، أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الْمُلَامَسَةُ: الْجِمَاعُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ يُكَنِّي بِمَا يَشَاءُ.
وَقَدْ صَحَّ (٢) مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ. ثُمَّ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ مَنْ حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُمْ.
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَقَالَ آخَرُونَ: عَنَى اللَّهُ بِذَلِكَ كُلَّ لَمْسٍ بِيَدٍ كَانَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ أَعْضَاءِ الْإِنْسَانِ، وَأَوْجَبَ الْوُضُوءَ عَلَى كُلِّ مَنْ مَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا مُفْضِيًا إِلَيْهِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا سفيان عن مُخَارقٍ، عن طارق (٣) عن
(٢) في أ: "صح هذا".
(٣) في أ: "طاوس".