بْنُ أَنَسٍ، وَقَتَادَةُ، ومُقاتل بْنُ حَيَّان فِي قَوْلِهِ: ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ﴾ يَعْنِي بِذَلِكَ: التِّجَارَةَ.
وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا مِنْ رَبِّكُمْ﴾ [الْبَقَرَةِ: ١٩٨]
وَقَوْلُهُ: ﴿وَرِضْوَانَا﴾ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يترضَّون اللَّهَ بِحَجِّهِمْ.
وَقَدْ ذَكَرَ عِكْرِمة، والسُّدِّي، وَابْنُ جُرَيْجٍ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي الحُطم (١) بْنِ هِنْدٍ الْبَكْرِيِّ، كَانَ قَدْ أَغَارَ عَلَى سَرْح الْمَدِينَةِ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ اعْتَمَرَ إِلَى الْبَيْتِ، فَأَرَادَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَنْ يَعْتَرِضُوا (٢) فِي طَرِيقِهِ إِلَى الْبَيْتِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا﴾.
وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْمُشْرِكَ يَجُوزُ قَتْلُهُ، إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَمَانٌ، وَإِنْ أمَّ الْبَيْتَ الْحَرَامَ أَوِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ؛ فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ مَنْسُوخٌ فِي حَقِّهِمْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَأَمَّا مَنْ قَصَدَهُ بِالْإِلْحَادِ فِيهِ وَالشِّرْكِ عِنْدَهُ وَالْكُفْرِ بِهِ، فَهَذَا يُمْنَعُ كَمَا قَالَ [تَعَالَى] (٣) ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٨] وَلِهَذَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ تِسْعٍ -لَمَّا أمَّر الصِّدِّيقَ عَلَى الْحَجِيجِ-علِيّا، وَأَمَرَهُ أَنْ يُنَادِيَ عَلَى سَبِيلِ النِّيَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَرَاءَةٍ، وَأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِك، وَلَا يَطُوفَنَّ بِالْبَيْتِ عُرْيان (٤).
وَقَالَ [عَلِيُّ] (٥) بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ: ﴿وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ يَعْنِي مَنْ تَوَجَّهَ قِبَل الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَكَانَ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَحُجُّونَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ، فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَمْنَعُوا أَحَدًا يَحُجَّ الْبَيْتَ أَوْ يَعْرِضُوا لَهُ مِنْ مُؤْمِنٍ أَوْ كَافِرٍ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَهَا: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التَّوْبَةِ: ٢٨] وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَا كَانَ (٦) لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٧] وَقَالَ [تَعَالَى] :(٧) ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ﴾ [التَّوْبَةِ: ١٨] فَنَفَى الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا مَعْمَر، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا الْقَلائِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ قَالَ: مَنْسُوخٌ، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ يُرِيدُ الْحَجَّ تَقلَّد مِنَ الشَّجَرِ، فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ، وَإِذَا رَجَعَ تَقَلَّدَ قِلَادَةً مِنْ شَعرٍ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ أَحَدٌ. وَكَانَ الْمُشْرِكُ يَوْمئِذٍ لَا يُصَدُّ عَنِ الْبَيْتِ، فَأُمِرُوا أَلَّا يُقَاتِلُوا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَلَا عِنْدَ الْبَيْتِ، فَنَسَخَهَا قَوْلُهُ: ﴿فَاقْتُلُوا (٨) الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ﴾ [التَّوْبَةِ: ٥]..
وَقَدِ اخْتَارَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلا الْقَلائِدَ﴾ يعني: إن تقلدوا قِلَادَةً مِنَ الْحَرَمِ فَأَمِّنُوهُ، قَالَ: وَلَمْ تَزَلِ الْعَرَبُ تُعِيرُ مَنْ أَخَفَرَ ذَلِكَ، قَالَ الشَّاعِرُ (٩) :

(١) في د: "الحطيم".
(٢) في أ: "يعترضوا عليه".
(٣) زيادة من ر، أ.
(٤) رواه البخاري في صحيحه برقم (٣١٧٧) من حديث أبي بكر، رضي الله عنه.
(٥) زيادة من ر، أ.
(٦) في ر: " وما كان" وهو خطأ.
(٧) زيادة من ر.
(٨) في د، ر: "اقتلوا"، وهو خطأ.
(٩) وهو حذيفة بن أنس الهذلي، والبيت في تفسير الطبري (٩/٤٧٠).


الصفحة التالية
Icon