وَأَمَّا الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا: فَهُمُ الْجُبَاةُ وَالسُّعَاةُ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهَا قِسْطًا عَلَى ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَقْرِبَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمُ الصَّدَقَةُ، لِمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ انْطَلَقَ هُوَ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ يَسْأَلَانِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَسْتَعْمِلَهُمَا عَلَى الصَّدَقَةِ، فَقَالَ: "إِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ" (١)
وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ: فَأَقْسَامٌ: مِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى ليُسلم، كَمَا أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ، وَقَدْ كَانَ شَهِدَهَا مُشْرِكًا. قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يُعْطِينِي حَتَّى صَارَ أحبَّ النَّاسِ إليَّ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَيَّ، كَمَا قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ، أنا (٢) ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَعْطَانِي رسول الله ﷺ يوم حُنَيْنٍ، وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى صَارَ وَإِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ، مِنْ حَدِيثِ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ (٣)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى ليحسُن إِسْلَامُهُ، وَيَثْبُتَ قَلْبُهُ، كَمَا أَعْطَى يَوْمَ حُنَيْنٍ أَيْضًا جَمَاعَةً مِنْ
صَنَادِيدِ الطُّلَقَاءِ وَأَشْرَافِهِمْ: مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ، مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَقَالَ: "إِنِّي لَأُعْطِي الرَّجُلَ وَغَيْرُهُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهُ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُبَّه اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ" (٤)
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ: أَنَّ عَلِيًّا بَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بذُهَيبة فِي تُرْبَتِهَا مِنَ الْيَمَنِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وعُيَينة بْنِ بَدْرٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلاثة، وَزَيْدِ الْخَيْرِ، وَقَالَ: "أَتَأَلَّفُهُمْ" (٥)
وَمِنْهُمْ مَنْ يُعطَى لِمَا يُرْجَى مِنْ إِسْلَامِ نُظَرَائِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعطَى لِيَجْبِيَ الصَّدَقَاتِ مِمَّنْ يَلِيهِ، أَوْ لِيَدْفَعَ عَنْ حَوزة الْمُسْلِمِينَ الضَّرَرَ مِنْ (٦) أَطْرَافِ الْبِلَادِ. وَمَحَلُّ تَفْصِيلِ هَذَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ، واللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهَلْ تُعْطَى الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فِيهِ خِلَافٌ، فرُوي عَنْ عُمَرَ، وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَجَمَاعَةٍ: أَنَّهُمْ لَا يُعطَون بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، ومَكَّن لَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَأَذَلَّ لَهُمْ رِقَابَ الْعِبَادِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُعطَون؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ (٧) قَدْ أَعْطَاهُمْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَكَسْرِ هَوازن،

(١) صحيح مسلم برقم (١٠٧٢).
(٢) في ك: "أخبرنا".
(٣) المسند (٦/٤٦٥) وصحيح مسلم برقم (٢٣١٣) وسنن الترمذي برقم (٦٦٦).
(٤) صحيح البخاري برقم (١٤٧٨) من حديث سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
(٥) صحيح البخاري برقم (٣٣٤٤) وصحيح مسلم برقم (١٠٦٤).
(٦) في أ: "في".
(٧) في أ: "صلى الله عليه وسلم".


الصفحة التالية
Icon