وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيُصْرَفُ إِلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الرِّقَابُ: فرُوي عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، والنَّخعي، والزُّهْرِيِّ، وَابْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُمُ المكاتَبون، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ نَحْوَهُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَاللَّيْثِ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ: لَا بَأْسَ أَنْ تُعْتَقَ الرَّقَبَةُ مِنَ الزَّكَاةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَمَالِكٍ، وَإِسْحَاقَ، أَيْ: إِنَّ الرِّقَابَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْطَى الْمُكَاتَبُ، أَوْ يَشْتَرِيَ رَقَبَةً فَيُعْتِقَهَا اسْتِقْلَالًا. وَقَدْ وَرَدَ فِي ثَوَابِ الْإِعْتَاقِ وَفَكِّ الرَّقَبَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ يُعْتِقُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ مُعتقها حَتَّى الفَرْج بِالْفَرْجِ، وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِأَنَّ (١) الْجَزَاءَ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، ﴿وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الصَّافَّاتِ: ٣٩]
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عونُهم: الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الَّذِي يُرِيدُ الْعَفَافَ".
رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَهْلُ السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ (٢)
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، دُلَّني عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ. فَقَالَ: "أَعْتِقِ النسَمة وَفُكَّ الرَّقَبَةَ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أو ليسا وَاحِدًا؟ قَالَ: "لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفرد بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا" (٣)
وَأَمَّا الْغَارِمُونَ: فَهُمْ أَقْسَامٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً أَوْ ضَمِنَ دَيْنًا فَلَزِمَهُ فَأَجْحَفَ بِمَالِهِ، أَوْ غَرِمَ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ أَوْ فِي مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ، فَهَؤُلَاءِ يُدْفَعُ إِلَيْهِمْ. وَالْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ قَبِيصة بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ (٤) صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: "أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا". قَالَ: ثُمَّ قَالَ: "يَا قَبِيصة، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٍ تحمَّل حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا، ثُمَّ يُمْسِكَ. وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ: أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ -وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ، فَيَقُولُونَ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ -أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ -فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ سُحْتٌ، يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا". رواه مسلم (٥)

(١) في ت: "أن".
(٢) المسند (٢/٢٥١) وسنن الترمذي برقم (١٦٥٥) وسنن النسائي (٦/٦١) وسنن ابن ماجه برقم (٢٥١٨) وقال الترمذي: "هذا حديث حسن".
(٣) المسند (٤/٢٩٩).
(٤) في ت: "النبي".
(٥) صحيح مسلم برقم ١ (١٠٤٤).


الصفحة التالية
Icon