ذَلِكَ، كَمَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ فِي الْخَيْرِ لَأَهْلَكَهُمْ.
﴿وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٢) ﴾
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْإِنْسَانِ وَضَجَرِهِ وَقَلَقِهِ إِذَا مَسَّهُ الضُّرُّ، كَقَوْلِهِ: ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ﴾ [فُصِّلَتْ: ٥١] أَيْ: كَثِيرٍ، وَهُمَا فِي مَعْنًى وَاحِدٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إِذَا أَصَابَتْهُ شِدَّةٌ قَلِقَ لَهَا وَجَزِعَ مِنْهَا، وَأَكْثَرَ الدُّعَاءَ عِنْدَ ذَلِكَ، فَدَعَا اللَّهَ فِي كَشْفِهَا وَزَوَالِهَا عَنْهُ فِي حَالِ اضْطِجَاعِهِ وَقُعُودِهِ وَقِيَامِهِ، وَفِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، فَإِذَا فَرَّجَ اللَّهُ شِدَّتَهُ وَكَشَفَ كُرْبَتَهُ، أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ، وَذَهَبَ كَأَنَّهُ مَا كَانَ بِهِ مِنْ ذَاكَ شَيْءٌ، ﴿مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ﴾
ثُمَّ ذَمَّ تَعَالَى مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ وَطَرِيقَتُهُ (١) فَقَالَ: ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ فَأَمَّا مَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ الْهِدَايَةَ وَالسَّدَادَ وَالتَّوْفِيقَ وَالرَّشَادَ، فَإِنَّهُ مُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [هُودٍ: ١١]، وَكَقَوْلِ (٢) رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ (٣) لَا يَقْضِي اللَّهُ لَهُ قَضَاءً إِلَّا كَانَ خَيْرًا لَهُ: إِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ. (٤)
﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (١٣) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلائِفَ فِي الأرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤) ﴾
أَخْبَرَ تَعَالَى عَمَّا أَحَلَّ بِالْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ، فِي تَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ فِيمَا جَاءُوهُمْ بِهِ مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْحُجَجِ الْوَاضِحَاتِ، ثُمَّ اسْتَخْلَفَ اللَّهُ هَؤُلَاءِ القومَ مَنْ بَعْدِهِمْ، وَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ رَسُولًا لِيَنْظُرَ طَاعَتَهُمْ لَهُ، وَاتِّبَاعَهُمْ رَسُولَهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أَبِي نَضْرَة، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرة، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ مَاذَا تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ". (٥)
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ عَوْفٍ أَبُو رَبِيعَةَ فَهْدٌ (٦) حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عن ثابت
(٢) في ت، أ: "وكما قال".
(٣) في ت، أ: "عجبا للمؤمن".
(٤) رواه مسلم في صحيحه برقم (٢٩٩٩) من حديث صهيب الرومي رضي الله عنه.
(٥) صحيح مسلم برقم (٢٧٤٢).
(٦) في هـ، ت: "مهد"، وفي أ: "شهد" والتصويب من الطبري.